للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ عُذْرًا يُقْصَدُ بِهِ (١) رَفْعُ الْمَلَامِ: بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا تَأَخَّرُوا عَنِ النَّحْرِ وَالْحَلْقِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ النَّسْخَ وَنُزُولَ الْوَحْيِ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّمَا تَخَلَّفَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْ طَاعَتِهِ إِمَّا تَعْظِيمًا لِمَرْتَبَتِهِ أَنْ يَمْحُوَ اسْمَهُ، أَوْ يَقُولُ: مُرَاجَعَةُ مَنْ رَاجَعَهُ فِي مُصَالَحَةِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا كَانَتْ قَصْدًا لِظُهُورِ الْإِيمَانِ عَلَى الْكُفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

فَيُقَالُ: الْأَمْرُ الْجَازِمُ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، مُوجِبٌ لِطَاعَتِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بَعْضُ النَّاسِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَازِمٍ أَرَادَ بِهِ الْإِيجَابَ، وَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ الْجَزْمِ وَالْإِيجَابِ فَلَمْ يَسْتَرِبْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَمْرَهُ بِالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ كَانَ جَازِمًا وَكَانَ مُقْتَضَاهُ الْفِعْلُ عَلَى الْفَوْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ رَدَّدَهُ ثَلَاثًا، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، وَرَوَى أَنَّهُ غَضِبَ وَقَالَ: مَالِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا (٢) يُتَّبَعُ (٣) .

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.


(١) س: لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَ عُذْرِ مَا يُقْصَدُ بِهِ، ب: لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ عُذْرًا مَا يُقْصَدُ بِهِ. وَسَقَطَتْ " بِهِ " مِنْ (م) .
(٢) ن: س، ب: وَلَا.
(٣) الْحَدِيثُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ ٢/٩٩٣ (كِتَابُ الْمَنَاسِكِ، بَابُ فَسْخِ الْحَجِّ) وَنَصُّهُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: " اجْعَلُوا حَجَّتَكُمْ عُمْرَةً " فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ. فَكَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟ قَالَ: " انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا " فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ؛ فَغَضِبَ، فَانْطَلَقَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ غَضْبَانَ، فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ؟ أَغْضَبَهُ اللَّهُ! قَالَ: " وَمَالِي لَا أَغْضَبُ، وَأَنَا آمِرٌ أَمْرًا فَلَا أُتَّبَعُ؟ " وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) \ ٤ ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>