للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّحَلُّلِ (١) بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ الَّتِي أُحْصِرُوا فِيهَا كَانَ أَوْكَدَ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّحَلُّلِ فِي حَجِّ الْوَدَاعِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى مَحْوِ اسْمِهِ مِنِ الْكِتَابِ لِيَتِمَّ الصُّلْحُ؛ وَلِهَذَا مَحَاهُ بِيَدِهِ، وَالْأَمْرُ بِذَلِكَ كَانَ جَازِمًا. وَالْمُخَالِفُ لِأَمْرِهِ إِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فَهُوَ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا لَا يَجِبُ، لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ احْتِرَامِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ لِمَا (٢) فِيهِ مِنِ انْتِظَارِ الْعُمْرَةِ وَعَدَمِ إِتْمَامِ ذَلِكَ الصُّلْحِ. فَحَسْبُ الْمُتَأَوِّلِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فَإِنَّهُ مَعَ جَزْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَشَكِّيهِ مِمَّنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَقَوْلَهُ: " مَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمِرٌ بِالْأَمْرِ (٣) وَلَا أُتَّبَعُ (٤) " لَا يُمْكِنُ (٥) تَسْوِيغُ الْمُخَالَفَةِ؛ لَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَابُوا مِنْهُ كَمَا تَابُوا مِنْ غَيْرِهِ.

فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عِصْمَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، فَيَقْدَحُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِ الْمَعْصُومِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي تَوْبَةِ مَنْ تَابَ، وَحَصَلَ لَهُ بِالذَّنْبِ نَوْعٌ مِنِ الْعِقَابِ فَأَخَذَ يَنْفِي عَلَى الْفِعْلِ مَا يُوجِبُ الْمَلَامَ، وَاللَّهُ قَدْ لَامَهُ لَوْمَ الْمُذْنِبِينَ (٦) فَيَزِيدُ تَعْظِيمَ الْبَشَرِ فَيَقْدَحُ (٧) فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨) .


(١) س، ب: مِنَ التَّحَلُّلِ.
(٢) م: وَلِمَا.
(٣) س، ب: بِالْمَعْرُوفِ.
(٤) م: فَلَا أُتَّبَعُ.
(٥) م: وَلَا يُمْكِنُ. . .
(٦) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى لَامَ مَنْ فَعَلَ الذَّنْبَ لَوْمَ الْمُذْنِبِينَ، ثُمَّ تَابَ الْمُذْنِبُ عَنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ.
(٧) س، ب: فَيَقِلُّ.
(٨) أَيْ أَنَّ هَذَا الَّذِي يُثْبِتُ عِصْمَةَ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ، يَزِيدُ تَعْظِيمَ هَذَا الذَّنْبِ مِنَ الْبَشَرِ، وَيُقَدِّمُ بِذَلِكَ فِي اللَّهِ تَعَالَى؛ إِذْ إِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ وَنَهْيَهُ، وَيَعُدُّ الْمُذْنِبَ غَيْرَ مُذْنِبٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>