للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ " قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا» " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (١) .

فَهَذِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ الصَّرِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ إِنْفَاقًا لِمَالِهِ فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

وَأَمَّا عَلِيٌّ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُونُهُ لِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَبِي طَالِبٍ لِمَجَاعَةٍ حَصَلَتْ بِمَكَّةَ، وَمَا زَالَ عَلِيٌّ فَقِيرًا حَتَّى تَزَوَّجَ بِفَاطِمَةَ وَهُوَ فَقِيرٌ، وَهَذَا مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَكَانَ فِي عِيَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُنْفِقُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنْفَقَهُ لَكِنَّهُ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ لَا مُنْفِقًا.

السَّبَبُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: ١٩] وَهَذِهِ لِأَبِي بَكْرٍ دُونَ عَلِيٍّ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ نِعْمَةُ الْإِيمَانِ أَنْ (٢) هَدَاهُ اللَّهُ بِهِ وَتِلْكَ النِّعْمَةُ (٣) لَا يُجْزَى بِهَا الْخَلْقُ، بَلْ أَجْرُ الرَّسُولِ فِيهَا عَلَى اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [سُورَةُ ص: ٨٦] ، وَقَالَ: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [سُورَةُ سَبَأٍ: ٤٧] .

وَأَمَّا النِّعْمَةُ الَّتِي يُجْزَى بِهَا الْخَلْقُ فَهِيَ نِعْمَةُ الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ تَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ نِعْمَةُ الدُّنْيَا، بَلْ نِعْمَةُ دِينٍ، بِخِلَافِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ نِعْمَةُ دُنْيَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْزَى.


(١) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى ٢/٥٢
(٢) م: إِذْ.
(٣) م: نِعْمَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>