للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَبٌ (١) يُوَالِيهِ لِأَجْلِهِ وَيُخْرِجُ مَالَهُ إِلَّا الْإِيمَانُ، وَلَمْ يَنْصُرْهُ كَمَا نَصَرَهُ أَبُو طَالِبٍ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ، وَكَانَ عَمَلُهُ كَامِلًا فِي إِخْلَاصِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: ٢٠، ٢١] .

وَكَذَلِكَ خَدِيجَةُ كَانَتْ زَوْجَتَهُ، وَالزَّوْجَةُ قَدْ تُنْفِقُ مَالَهَا عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَعَلِيٌّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لَكَانَ قَدْ (٢) أَنْفَقَ عَلَى قَرِيبِهِ، وَهَذِهِ أَسْبَابٌ قَدْ يُضَافُ الْفِعْلُ إِلَيْهَا بِخِلَافِ إِنْفَاقِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ إِلَّا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ فَكَانَ مِنْ أَحَقِّ الْمُتَّقِينَ بِتَحْقِيقِ قَوْلِهِ: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} ، وَقَوْلُهُ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: ١٧ - ٢٠] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالْمَعْنَى: لَا يَقْتَصِرُ فِي الْعَطَاءِ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ يُكَافِئُهُ بِذَلِكَ (٣) ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ لِلنَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْمُبَايَعَةِ وَالْمُؤَاجَرَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ تُجْزَى لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ، فَيَكُونُ عَطَاؤُهُ خَالِصًا لِوَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ نِعْمَةٌ يَحْتَاجُ أَنْ يَجْزِيَهُ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ


(١) ن، م، س: عِنْدَهُ سَبَبٌ. . .
(٢) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
(٣) ن، م: لِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>