حَوْلَهَا كَانُوا أَشَدَّ بَأْسًا وَقِتَالًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحِدٍ وَالْخَنْدَقِ مِنْ أُولَئِكَ وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ السَّرَايَا.
فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَقَعُ الدَّعْوَةُ إِلَى قِتَالِهِمْ لَهُمُ اخْتِصَاصٌ بِشِدَّةِ الْبَأْسِ مِمَّنْ دُعُوا إِلَيْهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: ١٦] ، وَهُنَا صِنْفَانِ: أَحَدُهُمَا: بَنُو الْأَصْفَرِ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى قِتَالِهِمْ عَامَ تَبُوكَ سَنَةَ تِسْعٍ فَإِنَّهُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَهُمْ أَحَقُّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَأَوَّلُ قِتَالٍ كَانَ مَعَهُمْ عَامَ مُؤْتَةَ عَامَ ثَمَانٍ قَبْلَ تَبُوكَ فَقُتِلَ فِيهَا أُمَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ زَيْدٌ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ كَالْمُنْهَزِمِينَ.
وَلِهَذَا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعُوا: «نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، فَقَالَ: " بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ، أَنَا فِئَتُكُمْ وَفِئَةُ كُلُّ مُسْلِمٍ» " (١) .
وَلَكِنْ قَدْ عَارَضَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقَوْلِهِ: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: ١٦] ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ فَتَأَوَّلَ الْآيَةَ طَائِفَةٌ أُخْرَى فِي الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ أَصْحَابَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَلَقِيَ الْمُسْلِمُونَ فِي قِتَالِهِمْ شِدَّةً
(١) الْحَدِيثَ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ٣/٦٣ (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابٌ فِي التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ ٣/١٣٠ (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ) الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ٧/٢٣٤. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. . . وَمَعْنَى قَوْلِهِ: بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ. وَالْعَكَّارُ الَّذِي يَفِرُّ إِلَى إِمَامِهِ لِيَنْصُرَهُ، لَيْسَ يُرِيدُ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ " وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر الْحَدِيثَ (وَانْظُرْ تَعْلِيقَهُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute