للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ إِذَا أَدَّوُا الْجِزْيَةَ لَمْ يُقَاتَلُوا وَلَكِنَّهُمْ مُقَاتَلِينَ أَوْ مُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ بِغَيْرِ الْقِتَالِ ; لِأَنَّهُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَلَا يَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ وَعُثْمَانَ فِي خِلَافَتِهِمْ قُوتِلَ هَؤُلَاءِ وَضُرِبَتِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْمَغْرِبِ، فَأَعْظَمُ قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَأَشَدُّهُ كَانَ فِي خِلَافَةِ هَؤُلَاءِ.

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَفِي غَزْوَةِ مَؤْتَةَ اسْتَظْهَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقُتِلَ زَيْدٌ وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَأَخَذَ الرَّايَةَ خَالِدٌ وَغَايَتُهُمْ أَنْ نَجَوْا.

وَاللَّهُ أَخْبَرَ أَنَّنَا نُقَاتِلُهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَهَذِهِ صِفَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الثَّلَاثَةِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةَ مُخْتَصَّةً بِغَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي فُتُوحِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَالْمَغْرِبِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ، وَهِيَ الْغَزَوَاتُ الَّتِي أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهَا الْإِسْلَامَ، وَظَهَرَ الْهُدَى وَدِينُ الْحَقِّ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا.

لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يُغْزَى مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ دَعَا، بَرًّا كَانَ أَوْ، فَاجِرًا فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْجِهَادِ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ (١) دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ إِمَامٌ عَدْلٌ.

فَيُقَالُ: هَذَا يَنْفَعُ أَهْلَ السُّنَّةِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَا تَرَى الْجِهَادَ إِلَّا مَعَ إِمَامٍ (٢) مَعْصُومٍ، وَلَا مَعْصُومَ عِنْدَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا عَلِيٌّ، فَهَذِهِ الْآيَةُ


(١) (١ - ١) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .
(٢) ن، س، ب: أَمِيرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>