كَانَ أَشَدَّ بَأْسًا مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ١٢٣] ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَالْجِنْسُ (١) فَلَيْسَ فِي بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنَ الْبَأْسِ مَا كَانَ فِي فَارِسَ وَالرُّومِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ لِلْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَهُمْ إِلَّا مِنْ أَضْعَفِ جِيرَانِهِمْ وَرَعَايَاهُمْ، وَكَانُوا يَحْتَقِرُونَ أَمْرَهُمْ غَايَةَ الِاحْتِقَارِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَيَّدَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَيَّدَ بِهِ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّتِهِ الْجَمِيلَةِ مَعَهُمْ لَمَا كَانُوا مِمَّنْ يَثْبُتُ مَعَهُمْ فِي الْقِتَالِ، وَيَفْتَحُ الْبِلَادَ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُمْ عَدَدًا وَأَعْظَمُ قُوَّةً وَسِلَاحًا، لَكِنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوَى بِقُوَّةِ الْإِيمَانِ الَّتِي خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَدْعُ نَاسًا بَعِيدِينَ مِنْهُ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ، وَلَمَّا قَدِمَ الْبَصْرَةَ لَمْ يَكُنْ فِي نِيَّتِهِ قِتَالُ أَحَدٍ، بَلْ وَقَعَ الْقِتَالُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ وَمِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَكَانَ بَعْضُ عَسْكَرِهِ يَكْفِيهِمْ، لَمْ يَدْعُ أَحَدًا إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْرَابِ الْحِجَازِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ عَلِيًّا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي قِتَالِ هَؤُلَاءِ فَمِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ بِطَاعَةِ مَنْ يُقَاتِلُ أَهْلَ الصَّلَاةِ لِرَدِّهِمْ إِلَى طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَلَا يَأْمُرُ بِطَاعَةِ مَنْ يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ لِيُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ طَاعَةِ عَلِيٍّ لَيْسَ بِأَبْعَدَ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ وَالْقُرْآنَ، وَلَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، بَلْ هَؤُلَاءِ
(١) ن، م، س: وَالْجَيْشُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute