للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامُ اللَّهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ، وَلَيْسَتِ الصِّفَاتُ أَعْرَاضًا وَلَا الْمَوْصُوفُ جِسْمًا [٠٠٠] (١) لَمْ نُسَلِّمْ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.


(١) الْكَلَامُ بَعْدَ عِبَارَةِ: " وَلَا الْمَوْصُوفُ جِسْمًا " غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّ (أ) ، (ب) يُوجَدُ فِيهِمَا سَقْطٌ يَتَأَلَّفُ مِنْ سُطُورٍ عَدِيدَةٍ وَسَأَجْتَهِدُ هُنَا فِي كِتَابَةِ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا السَّقْطِ بِحَسَبِ فَهْمِيِ لِمَقْصُودِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَبِمَا يَتَّفِقُ مَعَ السِّيَاقِ - مَعَ الِاقْتِبَاسِ مِنْ نُصُوصِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ -. وَلَكِنَّ الْكُلَّابِيَّةَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالسَّالِمِيَّةِ لَمْ يُثْبِتُوا الصِّفَاتَ الِاخْتِيَارِيَّةَ الَّتِي تَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، مِثْلَ كَوْنِهِ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ، عِنْدَمَا يَشَاءُ، بِكَلَامٍ مُعَيَّنٍ، إِذْ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ مَا يَقُومُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقًا حَادِثًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَلَوِ اتَّصَفَ الرَّبُّ بِهِ لَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ، وَلَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ عَنْهَا، وَعَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ قَدِيمٍ لَازِمٍ لِلذَّاتِ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى وَاخْتِيَارِهِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ مِثْلِ كَوْنِهِ تَعَالَى يُحِبُّ وَيَرْضَى وَيَسْمَعُ وَيَرَى وَهُوَ إِذَا رَأَى الشَّيْءَ بَعْدَ حُدُوثِهِ فَهُوَ إِنَّمَا يَرَى مَوْجُودًا فِي عِلْمِهِ لَا مَوْجُودًا بَائِنًا عَنْهُ. وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ أَثْبَتَتِ الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَقَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَدِيمًا بِذَاتِهِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، لِيَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ بِدْعَتَيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ فِي الْأَزَلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ، بَلْ صَارَ الْكَلَامُ مُمْكِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ سَبَبٍ أَوْجَبَ إِمْكَانَ الْكَلَامِ وَقُدْرَتَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكَرَّامِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ إِنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي تَقُومُ بِهِ تَعَالَى لَا يَخْلُو مِنْهَا وَلَا يَزُولُ عَنْهَا، لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنَ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، وَالْحُدُوثُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْإِحْدَاثِ، وَالْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ حَادِثٌ لَا مُحْدَثٌ، لِأَنَّ الْمُحْدَثَ يَفْتَقِرُ إِلَى إِحْدَاثٍ، بِخِلَافِ الْحُدُوثِ. وَنَحْنُ نُوَافِقُ الْكَرَّامِيَّةَ فِي إِثْبَاتِهِمْ لِلصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَفِي قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِذَاتِهِ، وَلَكِنَّنَا نُخَالِفُهُمْ فِي الْأَصْلِ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ قَوْلَهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا مُنْذُ الْأَزَلِ، فَهُمْ إِذَا قَالُوا إِنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، لَمْ نُسَلِّمْ أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>