للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُشَنِّعُ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ بِالضَّرُورَةِ ; حَيْثُ أَثْبَتَتْ رُؤْيَةً لِمَرْئِيٍّ لَا بِمُوَاجَهَةٍ، وَأَثْبَتَتْ كَلَامًا لِمُتَكَلِّمٍ يَتَكَلَّمُ لَا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُشَنِّعُ عَلَى الثَّانِيَةِ بِأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ الصَّحِيحِ.

وَلَكِنَّ مَعَ هَذَا فَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ: إِنَّ النُّفَاةَ الْمُخَالِفِينَ لِلطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الشِّيعَةِ، أَعْظَمُ مُخَالَفَةً لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ - بَلْ وَلِضَرُورَةِ الْعَقْلِ - مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ.

وَأَمَّا مُخَالَفَةُ هَؤُلَاءِ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا اسْتَفَاضَ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَهَذَا أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى عَالِمٍ، وَلِهَذَا أَسَّسُوا دِينَهُمْ عَلَى أَنَّ بَابَ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ لَا يُتَّبَعُ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَإِنَّمَا يُتَّبَعُ فِيهِ مَا رَأَوْهُ بِقِيَاسِ عُقُولِهِمْ، وَأَمَّا نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَأَوَّلُوهَا، وَإِمَّا أَنْ يُفَوِّضُوهَا، وَإِمَّا أَنْ يَقُولُوا: مَقْصُودُ الرَّسُولِ أَنْ يُخَيِّلَ إِلَى الْجُمْهُورِ اعْتِقَادًا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا وَبَاطِلًا، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ، وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبَتْ فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ; لِأَجْلِ مَا رَأَوْهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ فِي الدُّنْيَا.

وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ، فَأَطْلَقُوا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَمَا تَنَازَعَ النُّظَّارُ فِي نَفْيِهِ وَإِثْبَاتِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَمْ تُوَافِقْهُمْ فِيهِ عَلَى مَا ابْتَدَعُوهُ فِي الشَّرْعِ وَخَالَفُوا بِهِ الْعَقْلَ، بَلْ إِمَّا أَنْ يُمْسِكُوا عَنِ التَّكَلُّمِ بِالْبِدَعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَإِمَّا أَنْ يُفَصِّلُوا الْقَوْلَ فِي اللَّفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>