للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْمَعَالِي فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ (١) ، فَهَؤُلَاءِ يَتَوَجَّهُ رَدُّ النُّفَاةِ إِلَيْهِمْ (٢) .

وَأَمَّا مَنْ نَفَى الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالَ جَمِيعًا، كَأَبِي عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَهَؤُلَاءِ يُسَلِّمُونَ ثُبُوتَ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، فَيَقُولُونَ: نَقُولُ: إِنَّهُ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، فَيُخْبِرُ عَنْهُ بِذَلِكَ وَيَحْكُمُ بِذَلِكَ وَنُسَمِّيهِ بِذَلِكَ.

فَإِذَا قَالُوا لِبَعْضِ الصِّفَاتِيَّةِ: أَنْتُمْ تُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ عَادِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِذَاتِهِ خَلْقٌ وَعَدْلٌ، فَكَذَلِكَ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ.

قِيلَ: مُوَافَقَةُ هَؤُلَاءِ لَكُمْ لَا تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِكُمْ، فَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ وَجُمْهُورُ الْمُثْبِتَةِ يُخَالِفُونَكُمْ جَمِيعًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقُومُ بِذَاتِهِ أَفْعَالُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ثُمَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ دَلَّتْ عَلَى خَلْقٍ وَرِزْقٍ، كَمَا دَلَّ مُتَكَلِّمٌ وَمُرِيدٌ عَلَى كَلَامٍ وَإِرَادَةٍ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ النُّفَاةِ جَعَلُوا الْمُتَكَلِّمَ وَالْمُرِيدَ وَالْخَالِقَ وَالْعَادِلَ يَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْهُ، وَجَعَلُوا الْحَيَّ وَالْعَلِيمَ وَالْقَدِيرَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ لَا قَائِمَةً بِهِ وَلَا مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، وَجَعَلُوا كُلَّ مَا وَصَفَ الرَّبُّ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كَلَامِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَحُبِّهِ وَبُغْضِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ إِنَّمَا هِيَ مَخْلُوقَاتٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ، فَجَعَلُوهُ مَوْصُوفًا بِمَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، فَخَالَفُوا صَرِيحَ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَاللُّغَةِ.


(١) يَقُولُ الشَّهْرَسْتَانِيُّ فِي " نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ "، ص [٠ - ٩] ٣١ عِنْدَ كَلَامِهِ عَنِ الْأَحْوَالِ: " وَأَثْبَتَهَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ تَرْدِيدِ الرَّأْيِ فِيهَا عَلَى قَاعِدَةٍ غَيْرِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو هَاشِمٍ، وَنَفَاهَا صَاحِبُ مَذْهَبِهِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنَ الْمُثْبِتِينَ فِي الْأَوَّلِ وَالنَّافِينَ فِي الْآخِرِ ".
(٢) خَصَّصَ ابْنُ حَزْمٍ فَصْلًا فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلُ " ٥/١٦٥ - ١٧١ لِلرَّدِّ عَلَى الْأَشَاعِرَةِ فِي ذَلِكَ، عُنْوَانُهُ " الْكَلَامُ فِي الْأَحْوَالِ مَعَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>