للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الصِّفَةَ إِذَا قَامَتْ بِمَحَلٍّ عَادَ حُكْمُهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا عَلَى غَيْرِهِ، فَالْمَحَلُّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْحَرَكَةُ وَالسَّوَادُ وَالْبَيَاضُ كَانَ مُتَحَرِّكًا أَسْوَدَ أَبْيَضَ لَا غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي قَامَ بِهِ الْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ وَالرِّضَا، هُوَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ الْمُتَكَلِّمُ الْمُرِيدُ الْمُحِبُّ الْمُبْغِضُ الرَّاضِي دُونَ غَيْرِهِ، وَمَا لَمْ يَقُمْ بِهِ الصِّفَةُ لَا يَتَّصِفُ بِهَا، فَمَا لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ وَإِرَادَةٌ وَحَرَكَةٌ وَسَوَادٌ وَفِعْلٌ، لَا يُقَالُ لَهُ: مُتَكَلِّمٌ وَلَا مُرِيدٌ وَلَا مُتَحَرِّكٌ [وَلَا أَسْوَدُ] (١) وَلَا فَاعِلٌ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ، فَلَا يُسَمَّى بِأَسْمَاءِ الْمَعَانِي.

وَهَؤُلَاءِ سَمَّوْهُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا، مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا عِلْمَ وَلَا قُدْرَةَ، وَسَمَّوْهُ مُرِيدًا مُتَكَلِّمًا مَعَ أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْكَلَامَ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ سَمَّاهُ خَالِقًا فَاعِلًا، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ خَلْقٌ وَلَا فِعْلٌ، فَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ.

وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ أَثْبَتَتِ اتِّصَافَهُ بِالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِهِ، وَاللُّغَةُ تُوجِبُ أَنَّ صِدْقَ الْمُشْتَقِّ مُسْتَلْزِمٌ لِصِدْقِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، فَيُوجِبُ إِذَا صَدَقَ اسْمُ الْفَاعِلِ وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ، أَنْ يَصْدُقَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ، فَإِذَا قِيلَ: قَائِمٌ وَقَاعِدٌ، كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: فَاعِلٌ وَخَالِقٌ، كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْفِعْلِ وَالْخَلْقِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: مُتَكَلِّمٌ وَمُرِيدٌ، كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ، كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِلْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ.

وَمَنْ نَفَى قِيَامَ الْأَفْعَالِ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ خَالِقًا بِخَلْقٍ، لَكَانَ إِنْ كَانَ


(١) وَلَا أَسْوَدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (أ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>