للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي شَيْءٍ مِنْ كَمَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ كَمَالُهُ مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ، بَلْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَهُوَ بِدُونِ ذَلِكَ الْكَمَالِ نَاقِصٌ، وَالنَّاقِصُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ، بَلْ مُمْكِنًا مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ مَعَ كَوْنِهِ نَاقِصًا مُفْتَقِرًا إِلَى كَمَالٍ مِنْ غَيْرِهِ، لَكَانَ الَّذِي يُعْطِيهِ الْكَمَالَ: إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى وَاجِبٍ آخَرَ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا نَاقِصًا، فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْأَوَّلِ ; وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا كَامِلًا فَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ، وَذَاكَ الَّذِي قُدِّرَ وَاجِبًا نَاقِصًا فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى هَذَا فِي كَمَالِهِ، وَذَاكَ (١) غَنِيٌّ عَنْهُ، فَهَذَا هُوَ رَبُّ ذَاكَ، وَذَاكَ عَبْدُهُ، وَيَمْتَنِعُ مَعَ كَوْنِهِ مَرْبُوبًا مُعَبَّدًا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، فَفَرْضُ كَوْنِهُ وَاجِبًا نَاقِصًا مُحَالٌ.

وَأَيْضًا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ مَا هُوَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ فِيهِ نَقْصٌ يَفْتَقِرُ فِي زَوَالِهِ إِلَى غَيْرِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُمْكِنَ الْوُجُودِ وَإِلَّا لَمَا قَبِلَهُ، وَمُمْكِنَ الْعَدَمِ وَإِلَّا لَكَانَ لَازِمًا لَهُ لَا يَقْبَلُ الزَّوَالَ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ (٢) زَوَالُهُ بِحُصُولِ الْكَمَالِ الْمُمْكِنِ الْوُجُودِ، فَإِنَّ مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ لَا يَكُونُ كَمَالًا، وَمَا هُوَ مُمْكِنٌ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْوَاجِبِ أَوْ مِنَ الْوَاجِبِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوقُ أَكْمَلَ مِنَ الْخَالِقِ، فَالْخَالِقُ (٣) الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ الْمُمْكِنِ الْوُجُودِ الَّذِي لَا نَقْصَ فِيهِ، فَلَا تَكُونُ ذَاتُهُ مُسْتَلْزِمَةً لِذَلِكَ الْكَمَالِ ; فَيَكُونُ ذَلِكَ الْكَمَالُ - إِذَا وُجِدَ - مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ وَإِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ الْآخَرِ، يَحْصُلُ بِهِمَا جَمِيعًا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ


(١) ن، م: وَهَذَا.
(٢) ن: يُمْكِنُ.
(٣) أ، ب: وَالْخَالِقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>