للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِوَاهُ مَخْلُوقًا مُحْدَثًا كَائِنًا (١) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، لَيْسَ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ قَدِيمٌ بِقِدَمِ اللَّهِ تَعَالَى مُسَاوِيًا لَهُ، بَلْ هَذَا مُمْتَنِعٌ بِصَرَائِحِ الْعُقُولِ مُخَالِفٌ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.

وَأَرِسْطُو وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَكَانَ هُوَ السَّطْحُ الْبَاطِنُ مِنَ الْجِسْمِ الْحَاوِي الْمُلَاقِي لِلسَّطْحِ الظَّاهِرِ مِنَ الْجِسْمِ الْمَحْوِي، وَهُوَ عَرَضٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ.

وَقَوْلُهُ: " إِنَّهُ بَدِيهِيُّ الْأَيْنِيَّةِ (٢) خَفِيُّ الْحَقِيقَةِ " أَيْ عِنْدِ هَؤُلَاءِ، وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ خَفِيٌّ، بَلْ لَفْظُ " الْمَكَانِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ فَوْقَهُ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ، كَمَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ فَوْقَ السَّطْحِ، وَيُرَادُ بِهِ مَا يَكُونُ الشَّيْءُ فَوْقَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَيْهِ، مِثْلُ كَوْنِ السَّمَاءِ فَوْقَ الْجَوِّ، وَكَوْنِ الْمَلَائِكَةِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَالْهَوَاءِ، وَكَوْنِ الطَّيْرِ فَوْقَ الْأَرْضِ.

وَمِنْ هَذَا قَوْلُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

تَعَالَى عُلُوًّا فَوْقَ عَرْشٍ إِلَهُنَا ... وَكَانَ مَكَانُ اللَّهِ أَعْلَى وَأَعْظَمَا (٣) مَعَ عِلْمِ حَسَّانَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ عَرْشٍ وَغَيْرِهِ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ، وَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ مَكَانًا.

وَالسَّلَفُ وَالصَّحَابَةُ، بَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْمَعُ مِثْلَ


(١) فِي الْأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ كَائِنٌ.
(٢) فِي الْأَصْلِ: الْأَبْنِيَةِ، وَسَبَقَ تَصْوِيبُ الْكَلِمَةِ عَنْ " تَلْخِيصِ الْمُحَصِّلِ ".
(٣) لَمْ أَجِدِ الْبَيْتَ فِي دِيوَانِ حَسَّانَ الْمَطْبُوعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>