للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَحَيِّزٌ وَحَيِّزٌ وَقَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ، فَتَكُونُ الْمَوْجُودَاتُ سِوَى اللَّهِ ثَلَاثَةً وَهِيَ مُحْدَثَةٌ عِنْدَهُمْ. وَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ: إِنَّ مَا سِوَى اللَّهِ: إِمَّا مُتَحَيِّزٌ، وَإِمَّا قَائِمٌ بِمُتَحَيِّزٍ.

وَأَمَّا اعْتِرَاضُ الطُّوسِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنِّي عَلَى أَنَّ التَّحَيُّزَ هُوَ الْمَكَانُ، وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ، بَلِ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَكَانِ هُوَ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَصْحَابِ أَفْلَاطُنَ وَأَصْحَابِ أَرِسْطُو، فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: هُوَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ تَحِلُّ بِهِ الْأَجْسَامُ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، بَلْ كُلُّ مَا قَامَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ جِسْمٌ، إِذِ الْجَوْهَرُ الَّذِي لَهُ هُوَ جِسْمٌ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرَ هَذَيْنِ، وَمَنْ أَثْبَتَ مِنْهُمْ جَوْهَرًا غَيْرَ جِسْمٍ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ مُحْدَثٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ، سَوَاءٌ قَالُوا بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ يُحْدِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَوْ لَمْ يَقُولُوا بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ.

وَالْمُتَكَلِّمُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ: كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ قَدْ يَتَنَاقَضُونَ، حَيْثُ يُثْبِتُ أَكْثَرُهُمُ الْخَلَاءَ أَمْرًا مَوْجُودًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ يُفْرَضُ فِيهِ التَّقْدِيرُ فَرْضًا، وَهَذَا الْخَلَاءُ هُوَ الْجَوْهَرُ الَّذِي يُثْبِتُهُ أَفْلَاطُنُ.

وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودٌ قَدِيمٌ مَعَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ مَسْبُوقٌ بِعَدَمِ نَفْسِهِ، وَإِنْ قِيلَ مَعَ ذَلِكَ بِدَوَامِ كَوْنِهِ خَالِقًا، فَخَلْقُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ دَائِمًا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>