للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: " فَإِنْ قِيلَ: الْجَوْهَرُ لَا يَخْلُو عَنِ الْأَكْوَانِ كَمَا لَا يَخْلُو عَنْ وَصْفِ التَّحَيُّزِ. قُلْنَا: قَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ تَحَيُّزَهُ صِفَةُ نَفْسِهِ، فَنَقُولُ: صِفَةُ النَّفْسِ تُلَازِمُ لِلنَّفْسِ وَلَا تُعْقَلُ النَّفْسُ دُونَهَا، وَكَوْنُ الْجَوْهَرِ مُتَحَيِّزًا بِمَثَابَةِ كَوْنِهِ ذَاتًا أَوْ شَيْئًا. وَالتَّحَيُّزُ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ يَجِبُ لُزُومُهَا مَا بَقِيَتِ النَّفْسُ، وَالْكَوْنُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ " (١) . ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ.

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّحَيُّزَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْمُتَحَيِّزِ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ وَصْفًا ثُبُوتِيًّا. وَإِنْ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُبُوتِيًّا أَنَّهُ أَمْرٌ إِضَافِيٌّ إِلَى الْحَيِّزِ فَالْأُمُورُ الْإِضَافِيَّةُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ عَدَمِيَّةٌ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ مَوْجُودَيْنِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ! ؟ وَقَوْلُهُ: " إِنَّ الْحَيِّزَ إِذَا كَانَ مَعْدُومًا، فَكَيْفَ يُعْقَلُ حُصُولُ الْجَوْهَرِ فِي الْمَعْدُومِ؟ ".

فَيُقَالُ: لَهُ: إِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِكَوْنِهِ فِي الْمَعْدُومِ إِلَّا وَجُودَهُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ آخَرَ يُحِيطُ بِهِ، لَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ يَكُونُ مَعْدُومًا مَعَ كَوْنِهِ مَوْجُودًا.

وَأَيْضًا، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ مُرَادَهُمْ: هَلِ الْحَيِّزُ عِنْدَهُمْ وُجُودٌ أَوْ عَدَمٌ، كَيْفَ يُحْكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُتَحَيِّزٌ أَوْ قَائِمٌ بِالْمُتَحَيِّزِ، مَعَ عِلْمِهِ وَحِكَايَتِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ، فَيَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَا سِوَاهُ إِمَّا مُتَحَيِّزًا أَوْ حَالًّا فِي الْمُتَحَيِّزِ، مَعَ أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ هَذَا فِي حَيِّزٍ وُجُودِيٍّ سِوَى اللَّهِ، وَهُوَ مُحْدَثٌ، فَإِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ هُنَا ثَلَاثَةٌ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ:


(١) أَكْثَرُ هَذَا الْكَلَامِ مَوْجُودٌ بِمَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِهِ فِي " الشَّامِلِ " ص [٠ - ٩] ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>