للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ; وَلِذَلِكَ كَثُرَ بَيْنَهُمُ الْقِيلُ وَالْقَالُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَجَامِعِ الْمَذَاهِبِ. (١) [وَالْأَصْلُ الَّذِي بَايَنَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ: أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إِنَّمَا يُوصَفُ بِمَا يَقُومُ بِهِ، لَا يُوصَفُ بِمَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ مُطَّرِدٌ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْجُمْهُورِ. وَلَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ اسْتَضْعَفَتِ الْأَشْعَرِيَّةَ - وَمَنْ وَافَقَهُمْ - بِتَنَاقُضِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ حَيْثُ وَصَفُوهُ بِالصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ. وَالْأَشْعَرِيُّ تَبَعٌ فِي ذَلِكَ لِلْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ نَفَوْا قِيَامَ الْفِعْلِ بِهِ، لَكِنَّ أُولَئِكَ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ أَيْضًا، بِخِلَافِ الْأَشْعَرِيَّةِ.

وَالْمُعْتَزِلَةُ لَهُمْ نِزَاعٌ فِي الْخَلْقِ: هَلْ هُوَ الْمَخْلُوقُ، أَوْ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ؟ وَإِذَا قَالُوا: هُوَ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ، فَقَدْ يَقُولُونَ: مَعْنَى قَائِمٍ لَا فِي مَحَلٍّ، كَمَا تَقَوَّلَهُ الْبَصْرِيُّونَ فِي الْإِرَادَةِ. وَقَدْ يَقُولُونَ: مَعَانِي لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ. كَمَا يَقُولُهُ مَعْمَرٌ مِنْهُمْ وَأَصْحَابُهُ، وَيُسَمَّوْنَ أَصْحَابَ الْمَعَانِي، وَقَدْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ.

وَحُجَّةُ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَكَانَ إِمَّا قَدِيمًا وَإِمَّا مُحْدَثًا، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمُ الْمَخْلُوقِ، وَهُوَ مُحَالٌ بِالِاضْطِرَارِ فِيمَا عُلِمَ حُدُوثُهُ بِالِاضْطِرَارِ، وَالدَّلِيلُ فِيمَا عُلِمَ حُدُوثُهُ بِالدَّلِيلِ. وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا كَانَ مَخْلُوقًا، فَافْتَقَرَ الْخَلْقُ إِلَى


(١) الْكَلَامُ بَعْدَ الْقَوْسِ فِي (ع) فَقَطْ وَيَنْتَهِي ص ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>