للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلْقٍ ثَانٍ وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وَأَيْضًا، فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهِ، وَهَذَا عُمْدَتُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَالرَّازِيُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَقْوَالِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَبَعْضِ أَقْوَالِ الْكَرَّامِيَّةِ وَالشِّيعَةِ، فَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهَا مَعَ فُقَهَاءِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ هُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْجُمْهُورُ لَهُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ عُمْدَةِ هَؤُلَاءِ طُرُقٌ: كُلُّ قَوْمٍ بِحَسْبِهِمْ. فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلِ الْخَلْقُ الَّذِي هُوَ التَّكْوِينُ وَالْفِعْلُ قَدِيمٌ وَالْمُكَوَّنُ الْمَفْعُولُ مُحْدَثٌ لِأَنَّ (الْخَلْقَ) (١) عِنْدَهُمْ لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِذَا قَالُوا لِهَؤُلَاءِ: فَيَلْزَمُ قِدَمُ الْمُكَوَّنِ قَالُوا: نَقُولُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ مَا قُلْتُمْ فِي الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ، قُلْتُمْ: هِيَ قَدِيمَةٌ فَإِنْ (٢) كَانَ الْمُرَادُ مُحْدَثًا، كَذَلِكَ التَّكْوِينُ قَدِيمٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُكَوَّنُ مُحْدَثًا.

وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: بَلِ الْخَلْقُ وَالتَّكْوِينُ حَادِثٌ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ وَتَكْوِينَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ. قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ وُجُودَ أَفْعَالِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: ٥٤] وَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ ١١] ، وَقَوْلِهِ:


(١) كَلِمَةُ " الْخَلْقِ " غَيْرُ مَوْجُودَةٍ بِالْأَصْلِ وَزِدْتُهَا لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ.
(٢) فَإِنْ: كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ: وَإِنْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>