{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: ١١] وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ - ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ - ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: ١٢ - ١٤] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
وَهُؤُلَاءِ يَلْتَزِمُونَ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ، كَخَلْقِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَكَلَامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ. وَفِي الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ مَوْضِعٍ تُوَافِقُ قَوْلَهُمْ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا، وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَسَاطِينِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ. ثُمَّ هَؤُلَاءِ فِي التَّسَلْسُلِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: الْمَخْلُوقُ يَحْصُلُ بِالْخَلْقِ، وَالْخَلْقُ يَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ. ٠ وَيَقُولُونَ لِمُنَازِعِيهِمْ: إِذَا جَازَ عِنْدَكُمْ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ قَائِمٍ بِهِ، فَلِأَنْ يَجُوزَ الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْإِرَادَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّسَلْسُلِ مِنْهُمْ يَقُولُ: نَفْسُ الْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ أَوْجَبَتْ مَا حَدَثَ مِنَ الْفِعْلِ وَالْإِرَادَةِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْمَخْلُوقُ فِيمَا لَا يَزَالُ.
وَمَنْ قَالَ بِالتَّسَلْسُلِ مِنْهُمْ قَالَ: التَّسَلْسُلُ الْمُمْتَنِعُ إِنَّمَا هُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْفَاعِلِ فَاعِلٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ لِلْعِلَّةِ عِلَّةً وَلِلْمُؤَثِّرِ مُؤَثِّرًا، أَوْ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ لِلْفَاعِلِ فَاعِلًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute