للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا كَانَ مِمَّنِ امْتَنَعَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا الْمَسِيحُ، وَإِبْرَاهِيمُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ ذَنْبًا، وَلَكِنْ قَالَ الْمَسِيحُ: لَسْتُ هُنَاكُمُ اذْهَبُوا إِلَى عَبْدٍ غَفَرَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. وَتَأَخَّرَ الْمَسِيحُ عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي خُصَّ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ مِنْ فَضَائِلِ الْمَسِيحِ وَمِمَّا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ. صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

فَعُلِمَ أَنَّ تَأَخُّرَهُمْ عَنِ الشَّفَاعَةِ لَمْ يَكُنْ لِنَقْصِ دَرَجَاتِهِمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، بَلْ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ عَظَمَةِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَسْتِدْعِي مِنْ كَمَالِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، وَكَمَالِ عُبُودِيَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ مَا اخْتَصَّ بِهِ مَنْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَسِيحُ: اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَإِنَّهُ إِذَا غَفَرَ لَهُ مَا تَأَخَّرَ لَمْ يَخَفْ أَنْ يُلَامَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى رَبِّهِ لِيَشْفَعَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْفَعْ إِلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ، بَلْ إِذَا سَجَدَ وَحَمِدَ رَبَّهُ بِمَحَامِدَ يَفْتَحُهَا عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لَهُ: «أَيْ مُحَمَّدُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا.

وَأَمَّا مَنْ (قِيلَ لَهُ) (١) . تَقَدَّمَ وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَأَخَّرَ فَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُ إِلَى الشَّفَاعَةِ - قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ - ذَنْبًا، فَتَأَخَّرَ لِكَمَالِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقُولُ أَنَا قَدْ أَذْنَبْتُ وَمَا غُفِرَ لِي فَأَخَافَ أَنْ أُذْنِبَ ذَنْبًا (٢) . آخَرَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ


(١) فِي الْأَصْلِ تُوجَدُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَامِشِ قَبْلَ كَلِمَةِ " تَقَدَّمَ " وَلَمْ يَظْهَرِ الْكَلَامُ السَّاقِطُ فِي الْمُصَوَّرَةِ، وَمَا أَثْبَتُّهُ يَصْلُحُ بِهِ الْكَلَامُ
(٢) ذَنْبًا: غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْأَصْلِ وَالسِّيَاقُ يَقْتَضِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>