للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «الْمُؤْمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» " (١) \ ٧٠. .

وَمِنْ مَعَانِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْتَى مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ، فَإِذَا ذَاقَ الذَّائِقُ مَا فِي الذَّنْبِ مِنَ الْأَلَمِ وَزَالَ عَنْهُ خَافَ أَنْ يُذْنِبَ ذَنْبًا آخَرَ فَيَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الْأَلَمِ، وَهَذَا كَمَنْ مَرِضَ مِنْ أَكْلَةٍ ثُمَّ عُوفِيَ، فَإِذَا دُعِيَ إِلَى أَكْلِ شَيْءٍ خَافَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ الْأَوَّلِ لَمْ يَأْكُلْهُ، يَقُولُ قَدْ أَصَابَنِي بِتِلْكَ الْأَكْلَةِ مَا أَصَابَنِي فَأَخَافُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ مِثْلَ تِلْكَ، وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَوْضِعٌ آخَرُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الَّذِينَ (٢) ادَّعَوُا الْعِصْمَةَ مِمَّا يُتَابُ مِنْهُ عُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ مِنْهُمُ الذَّنْبُ لَكَانُوا أَقَلَّ دَرَجَةً مِنْ عُصَاةِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ دَرَجَتَهُمْ أَعْلَى فَالذَّنْبُ مِنْهُمْ أَقْبَحُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فَلَا يَكُونُ إِيذَاؤُهُ مُحَرَّمًا، وَأَذَى الرَّسُولِ مُحَرَّمٌ بِالنَّصِّ، وَأَنَّهُ يَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدٍ فِي ذَنْبٍ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُقُوبَةَ وَنَقْصَ الدَّرَجَةِ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ عَدَمِ التَّوْبَةِ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِصْرَارِ بِلَا رَيْبٍ.

وَأَيْضًا، فَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي بَعْضِ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغِيرَةِ (٣) .، وَجُمْهُورُ


(١) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي: الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَهُوَ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ ٨/٣١ (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ. . إِلَخْ) ; مُسْلِمٍ ٤/٢٢٩٥ (كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرِّقَاقِ، بَابُ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ. . إِلَخْ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ٣٦٧ \ - ٣٦٨ (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ الْحَذَرِ مِنَ النَّاسِ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ ٢/٢٣١٨ (كِتَابُ الْفِتَنِ ; بَابُ الْعُزْلَةِ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) ١٧
(٢) فِي الْأَصْلِ: الَّذِي
(٣) دُونَ الصَّغِيرَةِ: الْمَقْصُودُ دُونَ الذُّنُوبِ الصَّغِيرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>