للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَنْزِيهِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ لَا سِيَّمَا الْفَوَاحِشُ، وَمَا ذَكَرَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيٍّ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنِ الْفَاحِشَةِ، بَلْ ذَكَرَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ يَصْرِفُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ عَنْ عِبَادِهِ الْمُخْلِصِينَ ; وَإِنَّمَا يُقْتَدَى بِهِمْ فِيمَا أُقِرُّوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ.

وَأَيْضًا، فَالذُّنُوبُ أَجْنَاسٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ كُلُّ جِنْسٍ، بَلِ الْكَذِبُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ بِحَالٍ أَصْلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي مُطْلَقَ الصِّدْقِ، وَلِهَذَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ لِلْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَلَوْ تَابَ شَاهِدُ الزُّورِ مِنَ الْكَذِبِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ثُمَّ تَابَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ لِيُقْبَلَ حَدِيثُهُ.

فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَمُّدُ الْكَذِبِ أَلْبَتَّةَ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً، بَلْ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» " (١) . . وَأَمَّا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ


(١) رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ٣/٧٩ (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ قَتْلِ الْأَسِيرِ وَلَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنَ أَبِي سَرْحٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ ; فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا: كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: " أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟ " فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ. قَالَ: " إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ". وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ٤/١٨٣ (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ الْحُكْمِ فِيمَنِ ارْتَدَّ) ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ ٧/٩٧ - ٩٨ (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ الْحُكْمِ فِي الْمُرْتَدِّ) . وَانْظُرِ الْخَبَرَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ ٤/٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>