وبلغنا أن بعض أهل العلم قال إنك تحاسب على التحزن على ما فاتك من الدنيا وتحاسب بفرحك في الدنيا إذا قدرت عليها وأنت فرح بدنياك وقد سلبت الخوف من الله تعالى وعساك تعنى بأمور دنياك أضعاف ما تعنى بأمور آخرتك وعساك ترى مصيبتك في معاصيك أهون من مصيبتك في انتقاص دنياك ونعم وخوفك من ذهاب مالك أكثر من خوفك من الذنوب وعساك تبذل للناس ما جمعت من الأوساخ كلها للعلو والرفعة في الدنيا وعساك ترضى المخلوقين مساخطاً لله تعالى كيما تكرم وتعظم ويحك فكأن احتقار الله تعالى لك في القيامة أهون عليك من احتقار الناس إياك وعساك تخفى من المخلوقين مساويك ولا تكترث باطلاع الله عليك فيها فكأن الفضيحة عند الله أهون عليك من الفضيحة عند الناس فكأن العبيد أعلى عندك قدراً من الله تعالى الله عن جهلك فكيف تنطق عند ذوي الألباب وهذه المثالب فيك أف لك متلوثاً بالأقذار وتحتج بمال الأبرار هيهات هيهات ما أبعدك عن السلف الأخيار والله لقد بلغني أنهم كانوا فيما أحل لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم إن الذي لا بأس به عندكم كان من الموبقات عندهم وكانوا للزلة الصغيرة أشد استعظاما منكم لكبائر المعاصي فليت أطيب مالك وأحله مثل شبهات أمولهم وليتك أشفقت من سيئاتك كما أشفقوا على حسناتهم أن لا تقبل ليت صومك على مثال إفطارهم وليت اجتهادك في العبادة مثل فتورهم ونومهم وليت جميع حسناتك مثل واحدة من سيئاتهم وقد بلغني عن بعض الصحابة أنه قال غنيمة الصديقين ما فاتهم من الدنيا ونهمتهم ما زوى عنهم منها فمن لم يكن كذلك فليس معهم في الدنيا ولا معهم في الآخرة فسبحان الله كم بين الفريقين من التفاوت فريق خيار الصحابة في العلو عند الله وفريق أمثالكم في السفالة أو يعفو الله الكريم بفضله وبعد فإنك إن زعمت أنك متأس بالصحابة بجمع المال للتعفف والبذل في سبيل الله فتدبر أمرك ويحك هل تجد من الحلال في دهرك كما وجدوا في دهرهم أو تحسب أنك محتاط في طلب الحلال كما احتاطوا لقد بلغني أن بعض الصحابة قال كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام أفتطمع من نفسك في مثل هذا الاحتياط لا ورب الكعبة ما أحسبك كذلك ويحك كن على يقين أن جمع المال لأعمال البر مكر من الشيطان ليوقعك بسبب البر في اكتساب الشبهات الممزوجة بالسحت والحرام وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اجترأ على الشبهات أوشك أن يقع في الحرام