منع من السعي إلى الجنة مع الفقراء المهاجرين وصار يحبو في آثارهم حبوا فما ظنك بأمثالنا الغرقى في فتن الدنيا وبعد فالعجب كل العجب لك يا مفتون تتمرغ في تخاليط الشبهات والسحت وتتكالب على أوساخ الناس وتتقلب في الشهوات والزينة والمباهاة وتتقلب في فتن الدنيا ثم تحتج بعبد الرحمن وتزعم أنك إن جمعت المال فقد جمعه الصحابة كأنك أشبهت السلف وفعلهم ويحك إن هذا من قياس إبليس ومن فتياه لأوليائه وسأصف لك أحوالك وأحوال السلف لتعرف فضائحك وفضل الصحابة
ولعمري لقد كان لبعض الصحابة أموال أرادوها للتعفف والبذل في سبيل الله فكسبوا حلالاً وأكلوا طيباً وأنفقوا قصداً وقدموا فضلاً ولم يمنعوا منها حقاً ولم يبخلوا بها لكنهم جادوا لله بأكثرها وجاد بعضهم بجميعها وفي الشدة آثروا الله على أنفسهم كثيراً فبالله أكذلك أنت والله إنك لبعيد الشبه بالقوم
وبعد فإن أخيار الصحابة كانوا للمسكنة محبين ومن خوف الفقر آمنين وبالله في أرزاقهم واثقين وبمقادير الله مسرورين وفي البلاء راضين وفي الرخاء شاكرين وفي الضراء صابرين وفي السراء حامدين وكانوا لله متواضعين وعن حب العلو والتكاثر ورعين
لم ينالوا من الدنيا إلا المباح لهم بالبلغه منها وزجوا الدنيا وصبروا على مكارهها وتجرعوا مرارتها وزهدوا في نعيمها وزهرتها
فبالله أكذلك أنت
ولقد بلغنا أنهم كانوا إذا أقبلت الدنيا عليهم حزنوا وقالوا ذنب عجلت عقوبته من الله وإذا رأوا الفقر مقبلاً قالوا مرحباً بشعار الصالحين
وبلغنا أن بعضهم كان إذا أصبح وعند عياله شيء أصبح كئيباً حزيناً وإذا لم يكن عندهم شيء أصبح فرحاً مسروراً فقيل له إن الناس إذا لم يكن عندهم شيء حزنوا وإذا كان عندهم شيء فرحوا وأنت لست كذلك قال إني إذا أصبحت وليس عند عيالي شيء فرحت إذ كان لي برسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وإذا كان عند عيالي شيء اغتممت إذ لم يكن لي بآل محمد أسوة
وبلغنا أنهم كانوا إذا سلك بهم سبيل الرخاء حزنوا وأشفقوا وقالوا ما لنا وللدنيا وما يراد بها فكأنهم على جناح خوف وإذا سلك بهم سبيل البلاء فرحوا واستبشروا وقالوا الآن تعاهدنا ربنا
فهذه أحوال السلف ونعتهم وفيهم من الفضل أكثر مما وصفنا
فبالله أكذلك أنت إنك لبعيد الشبه بالقوم
وسأصف لك أحوالك أيها المفتون ضداً لأحوالهم وذلك أنك تطغي عند الغنى وتبطر عند الرخاء وتمرح عند السراء وتغفل عن شكر ذي النعماء وتقنط عند الضراء وتسخط عند البلاء ولا ترضى بالقضاء ٢
نعم وتبغض الفقر وتأنف من المسكنة وذلك فخر المرسلين وأنت تأنف من فخرهم
وأنت تدخر المال وتجمعه خوفاً من الفقر وذلك من سوء الظن بالله عز وجل وقلة اليقين بضمانه وكفى به إثماً وعساك تجمع المال لنعيم الدنيا وزهرتها وشهواتها ولذاتها
ولقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم فربت عليهم أجسامهم // حديث شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الحديث تقدم ذكره في أوائل كتاب ذم البخل عند الحديث الرابع منه من أسف على دنيا فاتته اقترب من النار مسيرة سنة
وبلغنا أن بعض أهل العلم قال ليجيء يوم القيامة قوم يطلبون حسنات لهم فيقال لهم {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} وأنت في غفلة قد حرمت نعيم الآخرة بسبب نعيم الدنيا فيا لها حسرة ومصيبة نعم وعساك أن تجمع المال للتكاثر والعلو والفخر والزينة في الدنيا وقد بلغنا أنه من طلب الدنيا للتكاثر أو للتفاخر لقي الله وهو عليه غضبان وأنت غير مكترث بما حل بك من غضب ربك حين أردت التكاثر والعلو