للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ينتهي به إلى أن يغضب على المادح وينكر عليه وأقصى درجاته أن يكره ويغضب ويظهر الغضب وهو صادق فيه لا أن يظهر الغضب وقلبه محب له فإن ذلك عين النفاق لأنه يريد أن يظهر من نفسه الإخلاص والصدق وهو مفلس عنه وكذلك بالضد من هذا تتفاوت الأحوال في حق الذام وأول درجاته إظهار الغضب وآخرها إظهار الفرح ولا يكون الفرح وإظهاره إلا ممن في قلبه حنق وحقد على نفسه لتمردها عليه وكثرة عيوبها ومواعيدها الكاذبة وتلبيساتها الخبيثة فيبغضها بغض العدو والإنسان يفرح ممن يذم عدوه وهذا شخص عدوه نفسه فيفرح إذا سمع ذمها ويشكر الذام على ذلك ويعتقد فطنته وذكاءه لما وقف على عيوبها فيكون ذلك كالتشفي له من نفسه ويكون غنيمة عنده إذ صار بالمذمة أوضع في أعين الناس حتى لا يبتلي بفتنة الناس وإذا سيقت إليه حسنات لم ينصب فيها فعساه يكون خيراً لعيوبه التي هو عاجز عن إماطتها ولو جاهد المريد نفسه طول عمره في هذه الخصلة الواحدة وهو أن يستوي عنده ذامه ومادحه لكان له شغل شاغل فيه لا يتفرغ معه لغيره وبينه وبين السعادة عقبات كثيرة هذه إحداها ولا يقطع شيئاً منها إلا بالمجاهدة الشديدة في العمر الطويل الشطر الثاني من الكتاب في طلب الجاه والمنزلة بالعبادات

وهو الرياء وفيه

بيان ذم الرياء

وبيان حقيقة الرياء وما يرائى وبيان درجات الرياء وبيان الرياء الخفي وبيان مَا يُحْبِطُ الْعَمَلَ مِنَ الرِّيَاءِ وَمَا لَا يحبط وبيان دواء الرياء وعلاجه وبيان الرخصة في إظهار الطاعات وبيان الرخصة في كتمان الذنوب وبيان ترك الطاعات خوفاً من الرياء والآفات وبيان ما يصح من نشاط العبد للعبادات بسبب رؤية الخلق وبيان ما يجب على المريد أن يلزمه قلبه قبل الطاعة وبعدها

وهي عشرة فصول وبالله التوفيق بيان ذم الرياء

اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ حَرَامٌ وَالْمُرَائِيَ عِنْدَ اللَّهِ ممقوت وقد شهدت لذلك الآيات والأخبار والآثار

أَمَّا الْآيَاتُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور قَالَ مجاهد هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ

وَقَالَ تَعَالَى إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جزاء ولا شكورا فمدح المخلصين ينفي كُلِّ إِرَادَةٍ سِوَى وَجْهِ اللَّهِ وَالرِّيَاءُ ضِدُّهُ وقال تعالى فمن كان يرجو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بعبادة ربه أحدا // حديث نزول قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه الآية فيمن يطلب الآخرة بعباداته وأعماله

أخرجه الحاكم من حديث طاوس قال رجل إني أقف الموقف أبتغي وجه الله وأحب أن يرى موطني فلم يرد عليه حتى نزلت هذه الآية

هكذا في نسختي من المستدرك ولعله سقط منه ابن عباس أو أبو هريرة وللبزار من حديث معاذ بسند ضعيف من صام رياء فقد أشرك الحديث وفيه أنه صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية

نزل بعد ذَلِكَ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْأَجْرَ وَالْحَمْدَ بِعِبَادَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ

وأما الأخبار فقد قال صلى الله عليه وسلم حين سأله رجل فقال يا رسول الله فيم النجاة فقال أن لا يعمل العبد بطاعة الله يريد بها الناس وقال أبو هريرة في حديث الثلاثة المقتول في سبيل الله والمتصدق بماله والقارئ لكتاب الله كما أوردناه في كتاب الإخلاص وإن الله عز وجل يقول لكل واحد منهم كذبت بل أردت أن يقال فلان جواد كذبت بل أردت أن يقال فلان شجاع كذبت بل أردت أن يقال فلان قارئ فأخبر صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>