والأنف والأذن وغيره فهذه الاختلافات ثابتة في عذاب الآخرة دل عليها قواطع الشرع وهي بحسب اختلاف قوة الإيمان وضعفه وكثرة الطاعات وقلتها وكثرة السيئات وقلتها أما شدة العذاب فبشدة قبح السيئات وكثرتها وأما كثرته فبكثرتها وأما اختلاف أنواعه فباختلاف أنواع السيئات وقد انكشف هذا لأرباب القلوب مع شواهد القرآن بنور الإيمان وهو المعني بقوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد وبقوله تعالى اليوم تجزى كل نفس بما كسبت وبقوله تعالى وان ليس للإنسان إلا ما سعى وبقوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يعمل مثقال ذرة شراً يره إلى غير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة من كون العقاب والثواب جزاء على الأعمال وكل ذلك بعدل لا ظلم فيه وجانب العفو والرحمة أرجح إذ قال تعالى فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم سبقت رحمتى غضبي (١) وقال تعالى وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً فإذن هذه الأمور الكلية من ارتباط الدرجات والدركات بالحسنات والسيئات معلومة بقواطع الشرع ونور المعرفة فأما التفصيل فلا يعرف إلا ظناً ومستنده ظواهر الأخبار ونوع حدس يستمد من أنوار الاستبصار بعين الاعتبار فنقول كل من أحكم أصل الإيمان واجتنب جميع الكبائر وأحسن جميع الفرائض أعني الأركان الخمسة ولم يكن منه إلا صغائر متفرقة لم يصر عليها فيشبه أن يكون عذابه المناقشة في الحساب فقط فإنه إذا حوسب رجحت حسناته على سيئاته إذ ورد في الأخبار إن الصلوات الخمسة والجمعة وصوم رمضان كفارات لما بينهن وكذلك اجتناب الكبائر بحكم نص القرآن مكفراً للصغائر وأقل درجات التكفير أن يدفع العذاب إن لم يدفع الحساب وكل من هذا حاله فقد ثقلت موازينه فينبغي أن يكون بعد ظهور الرجحان في الميزان وبعد الفراغ من الحساب في عيشة راضية نعم التحاقه باصحاب اليمين أو بالمقربين ونزوله في جنات عدن أو في الفردوس الأعلى فكذلك يتبع أصناف الإيمان لأن الإيمان إيمانان تقليدي كإيمان العوام يصدقون بما يستمعون ويستمرون عليه وإيمان كشفي يحصل بانشراح الصدر بنور الله حتى ينكشف فيه الوجود كله على ما هو عليه فيتضح أن الكل إلى الله مرجعه ومصيره إذ ليس في الوجود إلا الله تعالى وصفاته وأفعاله فهذا الصنف هم المقربون النازلون في الفردوس الأعلى وهم على غاية القرب من الملأ الأعلى وهم أيضاً على أصناف فمنهم السابقون ومنهم من دونهم وتفاوتهم بحسب تفاوت معرفتهم بالله تعالى ودرجات العارفين في المعرفة بالله تعالى لا تنحصر إذ الإحاطة بكلمة جلال الله غير ممكنة وبحر المعرفة ليس له ساحل وعمق وإنما يغوص فيه الغواصون بقدر قواهم وبقدر ما سبق لهم من الله تعالى في الأزل فالطريق إلى الله تعالى لا نهاية لمنازله فالسالكون سبيل الله لا نهاية لدرجاتهم وأما المؤمن إيماناً تقليدياً فمن أصحاب اليمين ودرجته دون درجة المقربين وهم أيضاً على درجات فالأعلى من درجات أصحاب اليمين تقارب رتبته رتبة الأدنى من درجات المقربين هذا حال من اجتنب كل الكبائر وأدى الفرائض كلها أعني الأركان الخمسة التي هى النطق بكلمة الشهادة باللسان والصلاة والزكاة والصوم والحج فأما من ارتكب كبيرة أو كبائر أو أهمل بعض أركان الإسلام فإن تاب توبةً نصوحاً قبل قرب الأجل التحق بمن لم يرتكب لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له والثوب المغسول كالذي لم يتوسخ أصلاً وإن مات قبل التوبة فهذا أمر مخطر عند الموت إذ ربما يكون موته على الإصرار سبباً لتزلزل إيمانه فيختم له بسوء الخاتمة لا سيما إذا كان إيمانه تقليدياً فإن التقليد وإن كان جزما فهو قابل للانحلال
(١) حديث سبقت رحمتى غضب رضي الله عنهم أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة