للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليك السلام عليك باليأس مما في أيدي الناس فإن ذلك هو الغنى وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر وصل صلاة مودع وإياك وما يعتذر منه (١) وقال رجل لمحمد بن واسع أوصني فقال أوصيك أن تكون ملكاً في الدنيا والآخرة قال وكيف لي بذلك قال الزم الزهد في الدنيا فكأنه صلى الله عليه وسلم توسم في السائل الأول مخايل الغضب فنهاه عنه وفي السائل الآخر مخايل الطمع في الناس وطول الأمل وتخيل محمد بن واسع في السائل مخايل الحرص على الدنيا وقال رجل لمعاذ أوصني فقال كن رحيماً أكن لك بالجنة زعيماً فكأنه تفرس فيه آثار الفظاظة والغلظة وقال رجل لإبراهيم بن أدهم أوصني فقال إياك والناس وعليك بالناس ولا بد من الناس فإن الناس هم الناس وليس كل الناس بالناس ذهب الناس وبقي النسناس وما أراهم بالناس بل غمسوا في ماء الياس فكأنه تفرس فيه آفة المخالطة وأخبر عما كان هو الغالب على حاله في وقته وكان الغالب أذاه بالناس والكلام على قدر حال السائل أولى من أن يكون بحسب حال القائل وكتب معاوية رحمه الله إلى عائشة رضي الله عنها أن اكتبي لي كتاباً توصيني فيه ولا تكثري فكتبت إليه من عائشة إلى معاوية سلام الله عليك أما بعد فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس سخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس (٢) والسلام عليك فانظر إلى فقهها كيف تعرضت للآفة التي تكون الولاة بصددها وهي مراعاة الناس وطلب مرضاتهم وكتبت إليه مرة أخرى أما بعد فاتق الله فإنك إذا اتقيت الله كفاك الناس وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً والسلام

فإذن على كل ناصح أن تكون عنايته مصروفة إلى تفرس الصفات الخفية وتوسم الأحوال اللائقة ليكون اشتغاله بالمهم فإن حكاية جميع مواعظ الشرع مع كل واحد غير ممكنة والاشتغال بوعظه بما هو مستغن عن التوعظ فيه تضييع زمان

فإن قلت فإن كان الواعظ يتكلم في جمع أو سأله من لا يدرى باطن حاله أن يعظه فكيف يفعل فاعلم أن طريقه في ذلك أن يعظه بما يشترك كافة الخلق في الحاجة إليه إما على العموم وإلا على الأكثر فإن في علوم الشرع أغذية وأدوية فالأغذية للكافة والأدوية لأرباب العلل

ومثاله ما روي أن رجلاً قال لأبي سعيد الخدري أوصني قال عليك بتقوى الله عز وجل فإنها رأس كل خير وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بالقرآن فإنه نور لك في أهل الأرض وذكر لك في أهل السماء وعليك بالصمت إِلَّا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّكَ بِذَلِكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ وقال رجل للحسن أوصني فقال أعز أمر الله يعزك الله وقال لقمان لابنه يا بني زاحم العلماء بركبتيك ولا تجادلهم فيمقتوك وخذ من الدنيا بلاغك وأنفق فضول كسبك لآخرتك ولا ترفض الدنيا كل الرفض فتكون عيالاً وعلى أعناق الرجال كلاً وصم صوماً يكسر شهوتك ولا تصم صوماً يضر بصلاتك فإن الصلاة أفضل من الصوم ولا تجالس السفيه ولا تخالط ذا الوجهين وقال أيضاً لابنه يا بني لا تضحك من غير عجب ولا تمش في غير أرب ولا تسأل عما لا يعنيك ولا تضيع مالك وتصلح مال غيرك فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت يا بني إن من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يقل الخير يغنم ومن يقل الشر يأثم ومن لا يملك لسانه يندم وقال رجل لأبي حازم أوصني فقال كل ما لو جاءك الموت عليه فرأيته غنيمة


(١) حديث قال له آخر أوصنى قال عليك باليأس الحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم وقد تقدم
(٢) حديث عائشة من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس الحديث أخرجه الترمذى والحاكم وفى مسند الترمذى من لم يسم

<<  <  ج: ص:  >  >>