فالزمه وكل ما لو جاءك الموت عليه فرأيته مصيبة فاجتنبه وقال موسى للخضر عليهما السلام أوصني فقال كن بساماً ولا تكن غضاباً وكن نفاعاً ولا تكن ضراراً وانزع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ولا تضحك من غير عجب ولا تعير الخطائين بخطاياهم وابك على خطيئتك يا ابن عمران وقال رجل لمحمد بن كرام أوصني فقال اجتهد في رضا خالقك بقدر ما تجتهد في رضا نفسك وقال رجل لحامد اللفاف أوصني فقال اجعل لدينك غلافاً كغلاف المصحف أن تدنسه الآفات قال وما غلاف الدين قال ترك طلب الدنيا إلا مالا بد منه وترك كثرة الكلام إلا فيما لا بد منه وترك مخالطة الناس إلا فيما لا بد منه وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز رحمهم الله تعالى أما بعد فخف مما خوفك الله واحذر مما حذرك الله وخذ مما في يديك لما بين يديك فعند الموت يأتيك الخبر اليقين والسلام وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن يسأل أن يعظه فكتب إليه أما بعد فإن الهول الأعظم والأمور المفظعات أمامك ولا بد لك من مشاهدة ذلك إما بالنجاة وإما بالعطب واعلم أن من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ومن نظر في العواقب نجا ومن أطاع هواه ضل ومن حلم غنم ومن خاف أمن ومن أمن اعتبر ومن اعتبر أبصر ومن أبصر فهم ومن فهم علم فإذا زللت فارجع وإذا ندمت فأقلع وإذا جهلت فاسأل وإذا غضبت فأمسك وكتب مطرف بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله أما بعد فإن الدنيا دار عقوبة ولها يجمع من من لا عقل له وبها يغتر من لا علم عنده فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه يصبر على شدة الدواء لما يخاف من عاقبة الداء وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عدي بن أرطأة أما بعد فإن الدنيا عدوة أولياء الله وعدوة أعداء الله فأما أولياؤه فغمتهم وأما أعداؤه فغرتهم وكتب أيضاً إلى بعض عماله أما بعد فقد أمكنتك القدرة من ظلم العباد فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة الله عليك واعلم أنك لا تأتي إلى الناس شيئاً إلا كان زائلاً عنهم باقياً عليك واعلم إن الله عز وجل آخذ للمظلومين من الظالمين والسلام
فهكذا ينبغي أن يكون وعظ العامة ووعظ من لا يدري خصوص واقعته فهذه المواعظ مثل الأغذية التي يشترك الكافة في الانتفاع بها
ولأجل فقد مثل هؤلاء الوعاظ انحسم باب الاتعاظ وغلبت المعاصي واستسرى الفساد وبلي الخلق بوعاظ يزخرفون أسجاعاً وينشدون أبياتاً ويتكلفون ذكر ما ليس في سعة علمهم ويتشبهون بحال غيرهم فسقط عن قلوب العامة وقارهم ولم يكن كلامهم صادراً من القلب ليصل إلى القلب بل القائل متصلف والمستمع متكلف وكل واحد منهما مدبر ومتخلف
فإذن كان طلب الطبيب أول علاج المرضى وطلب العلماء أول علاج العاصين فهذا أحد أركان العلاج وأصوله
الأصل الثاني الصبر ووجه الحاجة إليه أن المريض إنما يطول مرضه لتناوله ما يضره وإنما يتناول ذلك إما لغفلته عن مضرته وإما لشدة غلبة شهوته فله سببان فما ذكرناه هو علاج الغفلة فيبقى علاج الشهوة وطريق علاجها قد ذكرناه في كتاب رياضة النفس وحاصله أن المريض إذا اشتدت ضراوته لمأكول مضر فطريقه أن يستشعر عظم ضرره ثم يغيب ذلك عن عينه فلا يحضره ثم يتسلى عنه بما يقرب منه في صورته ولا يكثر ضرره ثم يصبر بقوة الخوف على الألم الذي يناله في تركه فلا بد على كل حال من مرارة الصبر فكذلك يعالج الشهوة في المعاصي كالشاب مثلاً إذا غلبته الشهوة فصار لا يقدر على حفظ عينه ولا حفظ قلبه أو حفظ جوارحه في السعي وراء شهوته فينبغي أن يستشعر ضرر ذنبه بأن يستقري المخلوقات التي جاءت فيه من كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فإذا اشتد خوفه تباعد من الأسباب المهيجة لشهوته ومهيج الشهوة من خارج هو