للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في نور الشمس ولكن لضعف في أبصار الخفافيش فاضطر الذين فتحت أبصارهم لملاحظة جلالها إلى أن يستعيروا من حضيض عالم المتناطقين باللغات عبارة تفهم من مبادي حقائقها شيئاً ضعيفاً جداً فاستعاروا لها اسم القدرة فتجاسرنا بسبب استعارتهم على النطق فقلنا لله تعالى صفة هي القدرة عنها يصدر الخلق والاختراع ثم الخلق ينقسم في الوجود إلى أقسام وخصوص صفات ومصدر انقسام هذه الأقسام واختصاصها بخصوص صفاتها صفة أخرى استعير لها بمثل الضرورة التي سبقت عبارة المشيئة فهي توهم منها أمراً محملاً عند المتناطقين باللغات التي هى حروف وأصوات المتفاهمين بها وقصور لفظ المشيئة عن الدلالة على كنه تلك الصفة وحقيقتها كفصور لفظ القدر ثم انقسمت الأفعال الصادرة من القدرة إلى ما ينساق إلى المنتهى الذي هو غاية حكمتها وإلى ما يقف دون الغاية وكان لكل واحد نسبة إلى صفة المشيئة لرجوعها إلى الاختصاصات التي بها تتم القسمة والاختلافات فاستعير لنسبة البالغ غايته عبارة المحبة واستعير لنسبة الواقف دون غايته عبارة الكراهة وقيل إنهما جميعاً داخلان في وصف المشيئة ولكن لكل واحد خاصية أخرى في النسبة يوهم لفظ المحبة والكراهة منهما أمراً مجملاً عند طالبي الفهم من الألفاظ واللغات ثم انقسم عباده الذين هم أيضاً من خلقه واختراعه إلى من سبقت له المشيئة الأزلية أن يستعمله لاستيقاف حكمته دون غايتها ويكون ذلك قهراً في حقهم بتسليط الدواعي والبواعث عليهم وإلى من سبقت لهم في الأزل أن يستعملهم لسياقة حكمته إلى غايتها في بعض الأمور فكان لكل واحد من الفريقين نسبة إلى المشيئة خاصة فاستعير لنسبة المستعملين في إتمام الحكمة بهم عبارة الرضا واستعير للذين استوقف بهم أسباب الحكمة دون غايتها عبارة الغضب فظهر على من غضب عليه في الأزل فعل وقفت الحكمة به دون غايتها فاستعير له الكفران وأردف ذلك بنقمة اللعن والمذمة زيادة في النكال وظهر على من ارتضاه في الأزل فعل انساقت بسببه الحكمة إلى غايتها فاستعير له عبارة الشكر وأردف بخلعة الثناء والإطراء زيادة في الرضا والقبول والإقبال فكان الحاصل أنه تعالى أعطى الجمال ثم أثنى وأعطى النكال ثم قبح وأردى وكان مثاله أن ينظف الملك عبده الوسخ عن أوساخه ثم يلبسه من محاسن ثيابه فإذا تمم زينته قال يا جميل ما أجملك وأجمل ثيابك وأنظف وجهك فيكون بالحقيقة هو المجمل وهو المثني على الجمال فهو المثني عليه بكل حال وكأنه لم يثني من حيث المعنى إلا على نفسه وإنما العبد هدف الثناء من حيث الظاهر والصورة فهكذا كانت الأمور فى الأزال وهكذا تتسلسل الأسباب والمسببات بتقدير رب الأرباب ومسبب الأسباب ولم يكن ذلك على اتفاق وبحث بل عن إرادة وحكمة وحكم حق وأمر جزم استعير له لفظ القضاء وقيل إنه كلمح بالبصر أو هو أقرب لفاضت بحار المقادير بحكم ذلك القضاء الجزم بما سبق به التقدير فاستعير لترتب آحاد المقدورات بعضها على بعض لفظ القدر فكان لفظ القضاء بإزاء الآمر الواحد الكلي ولفظ القدر بإزاء التفصيل المتمادي إلى غير نهاية وقيل إن شيئاً من ذلك ليس خارجاً عن القضاء والقدر فخطر لبعض العباد أن القسمة لماذا اقتضت هذا التفصيل وكيف انتظم العدل مع هذا التفاوت والتفضيل وكان بعضهم لقصوره لا يطيق ملاحظة كنه هذا الأمر والاحتواء على مجامعه فألجموا عما لم يطيقوا خوض غمرته بلجام المنع وقيل لهم اسكنوا فما لهذا خلقتم لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وامتلأت مشكاة بعضهم نوراً مقتبساً من نور الله تعالى في السموات والأرض وكان زيتهم أولاً صافياً يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار فمسته نار فاشتعل نوراً على نور فأشرقت أقطار الملكوت بين أيديهم بنور ربها فأدركوا الأمور كلها كما هي عليه فقيل لهم تأدبوا بآداب الله تعالى واسكنوا وإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>