للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكبر وذل التعلم ومثل هذا الشخص لا يزال في عذاب دائم لا محالة الضرب الثاني المقيد وهو الذي جمع بعض هذه الأوصاف دون بعض فرب نافع مؤلم كقطع الإصبع المتآكلة والسلعة الخارجة من البدن ورب نافع قبيح كالحمق فإنه بالإضافة إلى بعض الأحوال نافع فقد قيل استراح من لا عقل له فإنه لا يتهم بالعاقبة فيستريح في الحال إلى أن يحين وقت هلاكه ورب نافع من وجه ضار من وجه كإلقاء المال في البحر عند خوف الغرق فإنه ضار للمال نافع للنفس في نجاتها

والنافع قسمان ضروري كالإيمان وحسن الخلق في الإيصال إلى سعادة الآخرة وأعني بهما العلم والعمل إذ لا يقوم مقامهما البتة غيرهما وإلى ما لا يكون ضروريا كالسكنجبين مثلاً في تسكين الصفراء فإنه قد يمكن تسكينها أيضاً بما يقوم مقامه

قسمة خامسة اعلم أن النعمة يعبر بها عن كل لذيذ واللذات بالإضافة إلى الإنسان من حيث اختصاصه بها أو مشاركته لغيره ثلاثة أنواع عقلية وبدنية مشتركة مع بعض الحيوانات وبدنية مشتركة مع جميع الحيوانات أما العقلية فكلذة العلم والحكمة إذ ليس يستلذها السمع والبصر والشم والذوق ولا البطن ولا الفرج وإنما يستلذها القلب لاختصاصه بصفة يعبر عنها بالعقل وهذه أقل اللذات وجوداً وهي أشرفها أما قلتها فلأن العلم لا يستلذه إلا عالم والحكمة لا يستلذها إلا حكيم وما أقل أهل العلم والحكمة وما أكثر المتسمين باسمهم والمترسمين برسومهم وأما شرفها فلأنها لازمة لا تزول أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة ودائمة لا تمل فالطعام يشبع منه فيمل وشهوة الوقاع يفرغ منها فتستثقل والعلم والحكمة قط لا يتصور أن تمل وتستثقل ومن قدر على الشريف الباقي أبد الآباد إذا رضي بالخسيس الفاني في أقرب الآماد فهو مصاب في عقله محروم لشقاوته وإدباره وأقل أمر فيه أن العلم والعقل لا يحتاج إلى أعوان وحفظة بخلاف المال إذ العلم يحرسك وأنت تحرس المال والعلم يزيد بالإنفاق والمال ينقص بالإنفاق والمال يسرق والولاية يعزل عنها والعلم لا تمتد إليه أيدي السراق بالأخذ ولا أيدي السلاطين بالعزل فيكون صاحبه في روح الأمن أبداً وصاحب المال والجاه في كرب الخوف أبداً ثم العلم نافع ولذيذ وجميل في كل حال أبداً والمال تارة يجذب إلى الهلاك وتارة يجذب إلى النجاة ولذلك ذم الله تعالى المال في القرآن في مواضع وإن سماه خيراً في مواضع وأما قصور أكثر الخلق عن إدراك لذة العلم فإما لعدم الذوق فمن لم يذق لم يعرف ولم يشتق إذ الشوق تبع الذوق وإما لفساد أمزجتهم ومرض قلوبهم بسبب إتباع الشهوات كالمريض الذي لا يدرك حلاوة العسل ويراه مراً وإما لقصور فطنتهم إذ لم تخلق لهم بعد الصفة التي بها يستلذ العلم كالطفل الرضيع الذي لا يدرك لذة العسل والطيور السمان ولا يستلذ إلا اللبن وذلك لا يدل على أنها ليست لذيذة ولا استطابته اللبن تدل على أنه ألذ الأشياء فالقاصرون عزدرك لذة العلم والحكمة ثلاثة إما من لم يحي باطنه كالطفل وإما من مات بعد الحياة بإتباع الشهوات وإما من مرض بسبب إتباع الشهوات وقوله تعالى {في قلوبهم مرض} إشارة إلى مرض العقول وقوله عز وجل {لينذر من كان حياً} إشارة إلى من لم يحى حياة باطنة وكل حي بالبدن ميت بالقلب فهو عند الله من الموتى وإن كان عند الجهال من الأحياء ولذلك كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فرحين وإن كانوا موتى بالأبدان الثانية لذة يشارك الإنسان فيها بعض الحيوانات كلذة الرياسة والغلبة والاستيلاء وذلك موجود في الأسد والنمر وبعض الحيوانات الثالثة ما يشارك فيها سائر الحيوانات كلذة البطن والفرج وهذه أكثرها وجوداً وهي أخسها ولذلك اشترك فيها كل ودرج حتى الديدان والحشرات ومن جاوز هذه الرتبة تشبثت به لذة الغلبة وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>