فقامت إليه فجعلت تنادي في أذنه يا أمير المؤمنين إني رأيتك والله قد نجوت إني رأيتك والله قد نجوت قال وهي تنادي وهو يصيح ويفحص برجليه
ويحكى أن أويسا القرني رحمه الله كان يحضر عند القاص فيبكي من كلامه فإذا ذكر النار صرخ أويس ثم يقوم منطلقا فيتبعه الناس فيقولون مجنون مجنون
وقال مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْكُنُ رَوْعُهُ حَتَّى يَتْرُكَ جِسْرَ جهنم وراءه
وكان طاوس يفرش له الفرش فيضطجع ويتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى ثم يثب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول طير ذكر جهنم نوم الخائفين
وقال الحسن البصري رحمه الله يخرج من النار رجل بعد ألف عام يا ليتني كنت ذلك الرجل وإنما قال ذلك لخوفه من الخلود وسوء الخاتمة
وروي أنه ما ضحك أربعين سنة قال وكنت إذا رأيته قاعدا كأنه أسير قد قدم لتضرب عنقه وإذا تكلم كأنه يعاين الآخرة فيخبر عن مشاهدتها فإذا سكت كأن النار تسعر بين عينيه
وعوتب في شدة حزنه وخوفه فقال ما يؤمنني أن يكون الله تعالى قد اطلع في على بعض ما يكره فمقتني فقال اذهب فلا غفرت لك فأنا أعمل في غير معتمل
وعن ابن السماك قال وعظت يوما في مجلس فقام شاب من القوم فقال يا أبا العباس لقد وعظت اليوم بكلمة ما كنا نبالي أن لا نسمع غيرها
قلت وما هي رحمك الله قال قولك لقد قطع قلوب الخائفين طول الخلو دين إما في الجنة أو في النار
ثم غاب عني ففقدته في المجلس الآخر فلم أره فسألت عنه فأخبرت أنه مريض يعاد فأتيته أعوده فقلت يا أخي ما الذي أرى بك فقال يا أبا العباس ذلك من قولك لقد قطع قلوب الخائفين طول الخلو دين إما في الجنة أو في النار
قال ثم مات رحمه الله فرأيته في المنام فقلت يا أخي ما فعل الله بك قال غفر لي ورحمني وأدخلني الجنة
قلت بماذا قال بالكلمة
فهذه مخاوف الأنبياء والأولياء والعلماء والصالحين ونحن أجدر بالخوف منهم لكن ليس الخوف بكثرة الذنوب بل بصفاء القلوب وكمال المعرفة وإلا فليس أمننا لقلة ذنوبنا وكثرة طاعاتنا بل قادتنا شهوتنا وغلبت علينا شقوتنا وصدتنا عَنْ مُلَاحَظَةِ أَحْوَالِنَا غَفْلَتُنَا وَقَسْوَتُنَا فَلَا قُرْبُ الرَّحِيلِ يُنَبِّهُنَا وَلَا كَثْرَةُ الذُّنُوبِ تُحَرِّكُنَا وَلَا مشاهدة أحوال الخائفين تخوفنا ولا خطر الخاتمة يزعجنا فنسأل الله تعالى أن يتدارك بفضله وجوده أحوالنا فيصلحنا إن كان تحريك اللسان بمجرد السؤال دون الاستعداد ينفعنا
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّا إِذَا أَرَدْنَا الْمَالَ فِي الدُّنْيَا زَرَعْنَا وَغَرَسْنَا وَاتَّجَرْنَا وَرَكِبْنَا الْبِحَارَ وَالْبَرَارِيَ وخاطرنا
وإن أردنا طلب رتبة العلم فقهنا وتعبنا في حفظه وتكراره وشهرنا ونجتهد في طلب أرزاقنا ولا نثق بضمان الله لنا ولا نجلس في بيوتنا فنقول اللهم ارزقنا ثم إذا طمعت أَعْيُنُنَا نَحْوَ الْمُلْكِ الدَّائِمِ الْمُقِيمِ قَنَعْنَا بِأَنْ نَقُولَ بِأَلْسِنَتِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَالَّذِي إليه رجاؤنا وبه اعتزازنا ينادينا ويقول {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} {ولا يغرنكم بالله الغرور} يا أيها الإنسان ما عزك بربك الكريم ثُمَّ كَلُّ ذَلِكَ لَا يُنَبِّهُنَا وَلَا يُخْرِجُنَا عَنْ أَوْدِيَةِ غُرُورِنَا وَأَمَانِينَا فَمَا هَذِهِ إِلَّا مِحْنَةٌ هَائِلَةٌ إِنْ لَمْ يَتَفَضَّلِ اللَّهُ عَلَيْنَا بتوبة نصوح يتداركنا بها ويجيرنا فنسأل الله تعالى أن يتوب علينا بل نسأله أن يشوق إلى التوبة سرائر قلوبنا وأن لا يجعل حركة اللسان بسؤال التوبة غاية حظنا فنكون ممن يقول ولا يعمل ويسمع ولا يقبل إذا سمعنا الوعظ بكينا وإذا جاء وقت العمل بما سمعناه عصينا علامة للخذلان أعظم من هذا فنسأل الله تعالى أن يمن علينا بالتوفيق والرشد بمنه وفضله