ورؤي الفضيل يوما وهو يمشي فقيل له إلى أين قال لا أدري وكان يمشي والها من الخوف
وقال ذر بن عمر لأبيه عمر بن ذر ما بال المتكلمين يتكلمون فلا يبكي أحد فإذا تكلمت أنت سمعت البكاء من كل جانب فقال يا بني ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة
وحكى أن قوما وقفوا بعابد وهو يبكي فقالوا ما الذي يبكيك يرحمك الله قال فرحة يجدها الخائفون في قلوبهم قالوا وما هي قال روعة النداء بالعرض على الله عز وجل
وكان الخواص يبكي ويقول في مناجاته قد كبرت وضعف جسمي عن خدمتك فأعتقني
وقال صالح المري قدم علينا ابن السماك مرة فقال أرني شيئا من بعض عجائب عبادكم فذهبت به إلى رجل في بعض الأحياء في خص له فاستأذنا عليه فإذا رجل يعمل خوصا فقرأت عليه {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون} فشهق الرجل شهقة وخر مغشيا عليه فخرجنا من عنده وتركناه على حاله وذهبنا إلى آخر فدخلنا عليه فقرأت هذه الآية فشهق شهقة وخر مغشيا عليه فذهبنا واستأذنا على ثالث فقال ادخلوا إن لم تشغلونا عن ربنا فقرأت {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} فشهق شهقة فبدا الدم من منخريه وجعل يتشحط في دمه حتى يبس فتركناه على حاله وخرجنا فأدرته على ستة أنفس كل نخرج من عنده ونتركه مغشيا عليه ثم أتيت به إلى السابع فاستأذنا فإذا امرأة من داخل الخص تقول ادخلوا فدخلنا فإذا شيخ فان جالس في مصلاه فسلمنا عليه فلم يشعر بسلامنا فقلت بصوت عال ألا إن للخلق غدا مقاما فقال الشيخ بين يدي من ويحك ثم بقي مبهوتا فاتحا فاه شاخصا بصره يصيح بصوت له ضعيف أوه أوه حتى انقطع ذلك الصوت فقالت امرأته اخرجوا فإنكم لا تنتفعون به الساعة فلما كان بعد ذلك سالت عن القوم فإذا ثلاثة قد أفاقوا وثلاثة قد لحقوا بالله تعالى
وأما الشيخ فإنه مكث ثلاثة أيام على حالته مبهوتا متحيرا لا يؤدي فرضنا فلم كان بعد ثلاث عقل
وكان يزيد بن الأسود يرى أنه من الأبدال وكان قد حلف أن لا يضحك أبدا ولا ينام مضطجعا ولا يأكل سمنا أبدا فما رؤي ضاحكا ولا مضطجعا ولا أكل سمنا حتى مات رحمه الله
وقال الحجاج لسعيد بن جبير بلغني أنك لم تضحك قط فقال
كيف أضحك وجهنم قد سعرت والأغلال قد نصبت والزبانية قد أعدت
وقال رجل يا أبا سعيد كيف أصبحت قال بخير قال كيف حالك فتبسم الحسن وقال تسألني عن حالي ما ظنك بناس ركبوا سفينة حتى توسطوا البحر فانكسرت سفينتهم فتعلق كل إنسان منهم بخشبة على أي حال يكون قال الرجل على حال شديدة
قال الحسن حالي أشد من حالهم
ودخلت مولاة لعمر بن عبد العزيز عليه فسلمت عليه ثم قامت إلى مسجد في بيته فصلت فيه ركعتين وغلبتها عيناها فرقدت فاستبكت في منامها ثم انتبهت فقالت يا أمير المؤمنين إني والله رأيت عجبا قال وما ذلك قالت رأيت النار وهي تزفر على أهلها ثم جئ بالصراط ووضع على متنها فقال هيه قالت فجئ بعبد الملك بن مروان فحمل عليه فما مضى عليه إلا يسير حتى انكفأ به الصراط فهوى إلى جهنم فقال عمر هيه قالت ثم جئ بالوليد بن عبد الملك فحمل عليه فما مضى عليه إلا يسيرا حتى انكفأ به الصراط فهوى إلى جهنم فقال عمر هيه قالت ثم جئ بسليمان بن عبد الملك فما مضى عليه إلا يسيرا حتى انكفأ به الصراط فهوى كذلك فقال عمر هيه قالت ثم جئ بك والله يا أمير المؤمنين فصاح عمر رحمه الله عليه صيحة خر مغشيا عليه