للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليهم فهذا أقوى في توكلهم لكنه بعد اشتهار القوم بذلك فقد صار لهم سوقاً فهو كدخول السوق ولا يكون داخل السوق متوكلاً إلا بشروط كثيرة كما سبق

فإن قلت فما الأفضل أن يقعد في بيته أو يخرج ويكتسب فاعلم أنه إن كان يتفرغ بترك الكسب لفكر وذكر وإخلاص واستغراق وقت بالعبادة وكان الكسب يشوش عليه ذلك وهو مع هذا لا تستشرف نفسه إلى الناس في انتظار من يدخل عليه فيحمل إليه شيئاً بل يكون قوي القلب في الصبر والاتكال على الله تعالى فالمقصود له أولى وإن كان يضطرب قلبه في البيت ويستشرف إلى الناس فالكسب أولى لأن استشراف القلب إلى الناس سؤال بالقلب وتركه أهم من ترك الكسب وما كان المتوكلون يأخذون ما تستشرف إليه نفوسهم كان أحمد بن حنبل قد أمر أبا بكر المروزي أن يعطي بعض الفقراء شيئاً فضلاً عما كان استأجره عليه فرده فلما ولى قال له أحمد الحقه وأعطه فإنه يقبل فلحقه وأعطاه فأخذه فسأل أحمد عن ذلك فقال كان قد استشرفت نفسه فرد فلما خرج انقطع طمعه وأيس فأخذه وكان الخواص رحمه الله إذا نظر إلى عبد في العطاء أو خاف اعتياد النفس لذلك لم يقبل منه شيئاً

وقال الخواص بعد أن سئل عن أعجب ما رآه في أسفاره رأيت الخضر ورضي بصحبتي ولكني فارقته خيفة أن تسكن نفسي إليه فيكون نقصاً في توكلي فإذن المكتسب إذا راعى آداب الكسب وشروط نيته كما سبق في كتاب الكسب وهو أن لا يقصد به الاستكثار ولم يكن اعتماده على بضاعته وكفايته كان متوكلاً

فإن قلت فما علامة عدم اتكاله على البضاعة والكفاية فأقول علامته أنه إن سرقت بضاعته أو خسرت تجارته أو تعوق أمر من أموره كان راضياً به ولم تبطل طمأنينته ولم يضطرب قلبه بل كان حال قلبه في السكون قبله وبعده واحدا فإن من لم يسكن إلى شيء لم يضطرب لفقده ومن اضطرب لفقد شيء فقد سكن إليه وكان بشر يعمل المغازل فتركها وذلك لأن البعادي كاتبه قال بلغني أنك استعنت على رزقك بالمغازل أرأيت إن أخذ الله سمعك وبصرك الرزق على من فوقع ذلك في قلبه فأخرج آلة المغازل من يده وتركها وقيل تركها لما نوهت باسمه وقصد لأجلها وقيل فعل ذلك لما مات عياله كما كان لسفيان خمسون ديناراً يتجر فيها فلما مات عياله فرقها

فإن قلت فكيف يتصور أن يكون له بضاعة ولا يسكن إليها وهو يعلم أن الكسب بغير بضاعة لا يمكن فأقول بأن يعلم أن الذين يرزقهم الله تعالى بغير بضاعة فيهم كثرة وأن الذين كثرت بضاعتهم فسرقت وهلكت فيهم كثرة وأن يوطن نفسه على أن الله لا يفعل به إلا ما فيه صلاحه فإن أهلك بضاعته فهو خير له فلعله لو تركه كان سبباً لفساد دينه وقد لطف الله تعالى به وغايته أن يموت جوعاً فينبغي أن يعتقد أن الموت جوعاً خير له في الآخرة مهما قضى الله تعالى عليه بذلك من غير تقصير من جهته فإذا اعتقد جميع ذلك استوى عنده وجود البضاعة وعدمها ففي الخبر إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه فيصبح كئيباً حزيناً يتطير بجاره وابن عمه من سبقني من دهاني وما هي إلا رحمة رحمه الله بها (١) ولذلك قال عمر رضي الله عنه لا أبالي أصبحت غنياً أو فقيرا فإنى قلبه فأخرج آلة المغازلة من يده وتركها وقيل تركها لما نوهت باسمه وقصد لأجلها وقيل فعل ذلك لما مات عياله كما كان لسقيان خمسون ديناراً يتجر فيها فلما مات عياله فرقها

فإن قلت فكيف يتصور أن يكون له بضاعة ولا يسكن غليها وهو يعلم أن الكسب بغير بضاعة لا يمكن فأقول بأن يعلم أن الذين يرزقهم الله تعالى بغير بضاعة فيهم كثرة وأن الذين كثرت بضاعتهم فسرقت وهلكت فيهم كثرة وأن يوطن نفسه على أن الله لا يفعل به إلا ما فيه صلاحه فإن أهلك بضاعته فهو خير له فلعله لو تركه كان سبباً لفساد دينه وقد لطف الله تعالى به وغايته أن يموت جوعاً فينبغي أن يعتقد أن الموت جوعاً خير له في الآخرة مهما قضى الله تعالى عليه بذلك من غير تقصير من جهته فإذا اعتقد جميع ذلك استوى عنده وجود البضاعة وعدمها ففي الخبر إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه فينظر الله تعالى إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه فيصبح كثيبا حزينا بجاره وابن عمه من سبقني من دهاني وما هي إلا رحمة رحمه الله بها (٢) ولذلك قال عمر رضي الله عنه لا أبالي أصبحت غنياً أو فقيرا فإنى


(١) حديث إن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه فينظر الله إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه الحديث أخرجه أبو نعيم فى الحلية من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف جدا نحوه إلا أنه قال إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا الحديث بنحوه
(٢) حديث غن العبد ليهم من الليل بأمر من أمور التجارة مما لو فعله لكان فيه هلاكه فينظر الله إليه من فوق عرشه فيصرفه عنه الحديث أخرجه ابو نعيم فى الحلية من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف جدا نحوه إلا أنه قال إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا الحديث بنحوه

<<  <  ج: ص:  >  >>