وقيل لسهل متى يصح للعبد التوكل قال إذا دخل عليه الضرر في جسمه والنقص في ماله فلم يلتفت إليه شغلاً بحاله وينظر إلى قيام الله تعالى عليه
فإذا منهم من ترك التداوي وراءه ومنهم من كرهه ولا يتضح وجه الجمع بين فعل رسولالله صلى الله عليه وسلم وأفعالهم إلا بحصر الصوارف عن التداوي
فنقول إن لترك التداوي أسباباً السبب الأول أن يكون المريض من المكاشفين وقد كوشف بأنه انتهى أجله وأن الدواء لا ينفعه ويكون ذلك معلوماً عنده تارة برؤيا صادقة وتارة بحدس وظن وتارة بكشف محقق ويشبه أن يكون ترك الصديق رضي الله عنه التداوي من هذا السبب فإنه كان من المكاشفين فإنه قال لعائشة رضي الله عنها في أمر الميراث إنما هن أختاك وإنما كان لها أخت واحدة ولكن كانت امرأته حاملاً فولدت أنثى فعلم أنه كان قد كوشف بأنها حامل بأنثى فلا يبعد أن يكون قد كوشف أيضاً بانتهاء أجله وإلا فلا يظن به إنكار التداوي وقد شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر به السبب الثاني أن يكون المريض مشغولاً بحاله وبخوف عاقبته وإطلاع الله تعالى عليه فينسيه ذلك ألم المرض فلا يتفرغ قلبه للتداوي شغلاً بحاله وعليه يدل كلام أبي ذر إذ قال إني عنهما مشغول وكلام أبي الدرداء إذ قال إنما أشتكي ذنوبي فكان تألم قلبه خوفاً من ذنوبه أكثر من تألم بدنه بالمرض ويكون هذا كالمصاب بموت عزيز من أعزته أو كالخائف الذي يحمل إلى ملك من الملوك ليقتل إذا قيل له ألا تأكل وأنت جائع فيقول أنا مشغول عن ألم الجوع فلا يكون ذلك إنكاراً لكون الأكل نافعاً من الجوع ولا طعنا فيمن اكل ويقرب من هذ اشتغال سهل حيث قيل له ما القوت فقال هو ذكر الحي القيوم فقيل إنما سألناك عن القوام فقال: القوام هو العلم قيل سألناك عن الغذاء قال الغذاء هو الذكر قيل سألناك عن طعمة الجسد قال مالك وللجسد دع من تولاه أولاً يتولاه آخراً: إذا دخل عليه علة فرده إلى صانعه أما رأيت الصنعة إذا عيبت ردوها إلى صانعها حتى يصلحها السبب الثالث أن تكون العلة مزمنة والدواء الذي يؤمر به بالإضافة إلى علته موهوم النفع جار مجرى الكي والرقية فيتركه المتوكل وإليه يشير قول الربيع بن خثيم إذ قال ذكرت عاداً وثمود وفيهم الأطباء فهلك المداوي والمداوى أي أن الدواء غير موثوق به وهذا قد يكون كذلك في نفسه وقد يكون عند المريض كذلك لقلة ممارسته للطب وقلة تجربته له فلا يغلب على ظنه كونه نافعاً ولا شك في أن الطبيب المجرب أشد اعتقادا لي الأدوية من غيره فتكون الثقة والظن بحسب الاعتقاد والاعتقاد بحسب التجربة وأكثر من ترك التداوي من العباد والزهاد هذا مستندهم لأنه يبقى الدواء عنده شيئاً موهوماً لا أصل له وذلك صحيح في بعض الأدوية عند من عرف صناعة الطب غير صحيح في البعض ولكن غير الطبيب قد ينظر إلى الكل نظراً واحداً فيرى التداوي تعمقا في الأسباب كالكي والرقي فيتركه السبب الرابع أن يقصد العبد بترك التداوي استبقاء المرض لينال ثواب المرض بحسن الصبر على بلاء الله تعالى أو ليجرب نفسه في القدرة على الصبر فقد ورد في ثواب المرض ما يكثر ذكره فقد قال عليه السلام نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاءً ثم الأمثل فالأمثل يبتلى العبد على قدر إيمانه فإن كان صلب الإيمان شدد عليه البلاء وإن كان في إيمانه ضعف حفف عنه البلاء (١) حديث نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاءً ثم الأمثل فالأمثل الحديث رواه أحمد وأبو يعلي والحاكم وصححه على شرط مسلم نحوه مع اختلاف وقد تقدم مختصرا ورواه الحاكم ايضا من حديث سعد بن أبي وقاص وقال صحيح على شرط الشيخين
(١) وفي الخبر إن الله تعالى يجرب عبده بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار