ولذلك قال تعالى والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً
فإن قلت: فالعصيان هل يضاد أصل المحبة فأقول: إنه يضاد كمالها ولا يضاد أصلها فكم من إنسان يحب نفسه وهو مريض ويحب الصحة ويأكل ما يضره مع العلم بأنه يضره وذلك لا يدل على عدم حبه لنفسه ولكن المعرفة قد تضعف والشهوة قد تغلب فيعجز عن القيام بحق المحبة ويدل عليه ما روي أن نعيمان كان يؤتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل قليل فيحده في معصية يرتكبها إلى أن أتي به يوماً فحده فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ١ فلم يخرجه بالمعصية عن المحبة نعم تخرجه المعصية عن كمال الحب وقد قال بعض العارفين: إذا كان الإيمان في ظاهر القلب أحب الله تعالى حباً متوسطاً فإذا دخل سويداء القلب أحبه الحب البالغ وترك المعاصي وبالجملة في دعوى المحبة خطر ولذلك قال الفضيل: إذا قيل لك أتحب الله تعالى فاسكت فإنك إن قلت لا كفرت وإن قلت نعم فليس وصفك وصف المحبين فاحذر المقت ولقد قال بعض العلماء: ليس في الجنة نعيم أعلى من نعيم أهل المعرفة والمحبة ولا في جهنم عذاب أشد من عذاب من ادعى المعرفة والمحبة ولم يتحقق بشيء من ذلك
ومنها أن يكون مستهتراً بذكر الله تعالى لا يفتر عنه لسانه ولا يخلو عنه قلبه فمن أحب شيئاً أكثر بالضرورة من ذكره وذكر ما يتعلق به فعلامة حب الله: حب ذكره وحب القرآن الذي هو كلامه وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب كل من ينسب إليه فإن من يحب إنساناً يحب كلب محلته فالمحبة إذا قويت تعدت من المحبوب إلى كل ما يكتنف بالمحبوب ويحيط به ويتعلق بأسبابه وذلك ليس شركة في الحب فإن من أحب رسول المحبوب لأنه رسوله وكلامه لأنه كلامه فلم يجاوز حبه إلى غيره بل هو دليل على كمال حبه ومن غلب حب الله على قلبه أحب جميع خلق الله لأنهم خلقه فكيف لا يحب القرآن والرسول وعباد الله الصالحين وقد ذكرنا تحقيق هذا في كتاب الأخوة والصحبة ولذلك قال تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لله تعالى وقال سفيان // حديث أحبوا الله: من أحب من يحب الله تعالى فإنما أحب الله ومن أكرم من يكرم الله تعالى فإنما يكرم الله
وحكي عن بعض المريدين قال: كنت قد وجدت حلاوة المناجاة في سن الإرادة فأدمنت قراءة القرآن ليلاً ونهاراً ثم لحقتني فترة فانقطعت عن التلاوة قال: فسمعت قائلاً يقول في المنام إن كنت تزعم أنك تحبني فلم جفوت كتابي أما تدبرت ما فيه من لطيف عتابي قال: فانتبهت وقد أشرب في قلبي محبة القرآن فعاودت إلى حالي
وقال ابن مسعود: لا ينبغي أن يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله عز وجل وإن لم يكن يحب القرآن فليس يحب الله
وقال سهل رحمه الله تعالى عليه علامة حب الله حب القرآن وعلامة حب الله وحب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة وعلامة حب السنة حب الآخرة وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا وعلامة بغض الدنيا أن لا يأخذ منها إلا زاداً وبلغة إلى الآخرة
ومنها أن يكون أنسه بالخلوة ومناجاته لله تعالى وتلاوة كتابه فيواظب على التهجد ويغتنم هدء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق وأقل درجات الحب التلذذ بالخلوة بالحبيب والتنعم بمناجاته فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذ عنده وأطيب من مناجاة الله كيف تصح محبته قيل لإبراهيم بن أدهم وقد نزل من الجبل: من أين أقبلت