بعد أن قحطوا سبع سنين وخرج موسى عليه السلام ليستسقي لهم في سبعين ألفاً فأوحى الله عز وجل إليه كيف أستجيب لهم وقد أظلمت عليهم ذنوبهم سرائرهم خبيثة يدعونني على غير يقين ويأمنون مكري ارجع إلى عبد من عبادي يقال له برخ فقل له يخرج حتى أستجيب له فسأل عنه موسى عليه السلام فلم يعرف فبينما موسى ذات يوم يمشي في طريق إذا بعبد أسود قد استقبله بين عينيه تراب من أثر السجود في شملة قد عقدها على عنقه فعرفه موسى عليه السلام بنور الله عز وجل فسلم عليه وقال له ما اسمك فقال اسمي برخ قال فأنت طلبتنا منذ حين أخرج فاستسق لنا
فخرج فقال في كلامه ما هذا من فعالك ولا هذا من حلمك وما الذى بدالك أنقصت عليك عيونك أم عاندت الرياح عن طاعتك أم نفد ما عندك أم اشتد غضبك على المذنبين ألست كنت غفاراً قبل خلق الخطائين خلقت الرحمة وأمرت بالعطف أم ترينا أنك ممتنع أم تخشى الفوت فتجعل بالعقوبة قال فما برح حتى اخضلت بنو إسرائيل بالقطر وأنبت الله تعالى العشب في نصف يوم حتى بلغ الركب قال فرجع برخ فاستقبله موسى عليه السلام فقال كيف رأيت حين خاصمت ربى كيف أنصفني فهم موسى عليه السلام به فأوحى الله تعالى إليه إن برخاً يضحكني كل يوم ثلاث مرات
وعن الحسن قال احترقت أخصاص بالبصرة فبقي في وسطها خص لم يحترق وأبو موسى يومئذ أمير البصرة فأخبر بذلك فبعث إلى صاحب الخص قال فأتي بشيخ فقال يا شيخ ما بال خصك لم يحترق قال إني أقسمت على ربي عز وجل أن لا يحرقه فقال أبو موسى رضي الله عنه إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يكون في أمتي قوم شعثة رءوسهم دنسة ثيابهم لو أقسموا على الله لأبرهم (١) قال ووقع حريق بالبصرة فجاء أبو عبيدة الخواص فجعل يتخطى النار فقال له أمير البصرة انظر لا تحترق بالنار فقال إني أقسمت على ربي عز وجل أن لا يحرقني بالنار قال فاعزم على النار أن تطفأ قال فعزم عليها فطفئت
وكان أبو حفص يمشي ذات يوم فاستقبله رستاقي مدهوش فقال له أبو حفص ما أصابك فقال ضل حماري ولا أملك غيره قال فوقف أبو حفص وقال وعزتك لا أخطو خطوة ما لم ترد عليه حماره قال فظهر حماره في الوقت ومر أبو حفص رحمه الله
فهذا وأمثاله يجري لذوي الأنس وليس لغيرهم أن يتشبه بهم
قال الجنيد رحمه الله أهل الأنس يقولون في كلامهم ومناجاتهم في خلواتهم أشياء هي كفر عند العامة
وقال مرة لو سمعها العموم لكفروهم وهم يجدون المزيد في أحوالهم بذلك
وذلك يحتمل منهم ويليق بهم وإليه أشار القائل
قوم تخالجهم زهو بسيدهم ... والعبد يزهو على مقدار مولاه
تاهوا برؤيته عما سواه له ... يا حسن رؤيتهم في عز ما تاهوا
ولا تستبعدون رضاه عن العبد بما يغضب به على غيره مهما اختلف مقامهما ففي القرآن تنبيهات على هذه المعاني لو فطنت وفهمت فجميع قصص القرآن تنبيهات لأولي البصائر والأبصار حتى ينظروا إليها بعين الاعتبار فإنما هي عند ذوي الاعتبار من الأسماء
فأول القصص قصة آدم عليه السلام وإبليس أما تراهما كيف اشتركا في اسم المعصية والمخالفة ثم تباينا في الاجتباء والعصمة
أما إبليس فأبلس عن رحمته وقيل إنه من المبعدين
وأما آدم عليه السلام فقيل فيه وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى
(١) حديث الحسن عن أبى موسى يكون في أمتى قوم شعثة رءوسهم دنسة ثيابهم لو أقسموا على الله لأبرهم أخرجه ابن أبى الدنيا في كتاب الأولياء وفيه انقطاع وجهالة