والأرض وهكذا سبق لك مني وهكذا قضيت عليك قبل أن أخلق الدنيا أفتريد أن أعيد خلق الدنيا من أجلك أم تريد أن أبدل ما قدرته عليك فيكون ما تحب فوق ما أحب ويكون ما تريد فوق ما أريد وعزتي وجلالي لئن تلجلج هذا في صدرك مرة أخرى لأمحونك من ديوان النبوة
وروي أن آدم عليه السلام كان بعض أولاده الصغار يصعدون على بدنه وينزلون يجعل أحدهم رجله على أضلاعه كهيئة الدرج فيصعد إلى رأسه من ينزل على أضلاعه كذلك وهو مطرق إلى الأرض لا ينطق ولا يرفع رأسه فقال له بعض ولده يا أبت أما ترى ما يصنع هذا بك لو نهيته عن هذا فقال يا بني إني رأيت ما لم تروا وعلمت ما لم تعلموا إني تحركت حركة واحدة فأهبطت من دار الكرامة إلى دار الهوان ومن دار النعيم إلى دار الشقاء
فأخاف أن أتحرك أخرى فيصيبنى مالا أعلم
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته ولا قال في شيء كان ليته لم يكن ولا في شيء لم يكن ليته كان وكان إذا خاصمني مخاصم من أهله يقول دعوه لو قضي شيء لكان (١)
ويروى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود إنك تريد وأريد وإنما يكون ما أريد فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد
وأما الآثار فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما
أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله تعالى على كل حال
وقال عمر بن عبد العزيز ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر وقيل له ما تشتهي فقال ما يقضي الله
وقال ميمون بن مهران من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء
وقال الفضيل إن لم تصبر على تقدير الله لم تصبر على تقدير نفسك وقال عبد العزيز بن أبي رواد ليس الشأن في أكل خبز الشعير والخل ولا في لبس الصوف والشعر ولكن الشأن في الرضا عن الله عز وجل وقال عبد الله بن مسعود لأن الحس جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت أحب إلي من أن أقول لشئ كان ليته لم يكن أو لشيء لم يكن ليته كان
ونظر رجل إلى قرحة في رجل محمد بن واسع فقال إني لأرحمك من هذه القرحة فقال إني لأشكرها منذ خرجت إذ لم تخرج في عيني
وروي في الإسرائيليات أن عابداً عبد الله دهراً طويلاً فأري في المنام فلانة الراعية رفيقتك في الجنة فسأل عنها إلى أن وجدها فاستضافها ثلاثاً لينظر إلى عملها فكان يبيت قائماً وتبيت نائمة ويظل صائما وتظل مفطرة
فقال أما لك عمل غير ما رأيت فقالت ماهو والله إلا ما رأيت لا أعرف غيره فلم يزل يقول تذكري حتى قالت خصيلة واحدة هي في إن كنت في شدة لم أتمن أن أكون في رخاء وإن كنت في مرض لم أتمن أن أكون في صحة وإن كنت في الشمس لم أتمن أن أكون في الظل فوضع العابد يده على رأسه وقال أهذه خصيلة هذه والله خصلة عظيمة يعجز عنها العباد
وعن بعض السلف أن الله تعالى إذا قضى في السماء قضاء أحب من أهل الأرض أن يرضوا بقضائه
وقال أبو الدرداء ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر وقال عمر رضي الله عنه
ما أبالي على أي حال أصبحت وأمسيت من شدة أو رخاء
وقال الثوري يوماً عند رابعة اللهم ارض عني فقالت أما تستحي من الله أن تسأله الرضا وأنت عنه غير راض فقال أستغفر الله فقال جعفر بن سليمان الضبعي فمتى يكون العبد راضياً عن الله
(١) حديث أنس خدمت النبي صلى الله عليه وسلم فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته الحديث متفق عليه وقد تقدم