يلاحظ الثواب والإحسان الذي يجازى به عليه ويجوز أن يغلب الحب بحيث يكون حظ المحب في مراد محبوبه ورضاء لا لمعنى آخر وراءه فيكون مراد حبيبه ورضاه محبوباً عنده ومطلوباً وكل ذلك موجود في المشاهدات في حب الخلق وقد تواصفها المتواصفون في نظمهم ونثرهم ولا معنى له إلا ملاحظة جمال الصورة الظاهرة بالبصر فإن نظر إلى الجمال فما هو إلا جلد ولحم ودم مشحون بالأقذار والأخباث بدايته من نطفة مذرة ونهايته جيفة قذرة وهو فيما بين ذلك يحمل العذرة
وإن نظر إلى المدرك للجمال فهي العين الخسيسة التي تغلط فيما ترى كبيراً فترى الصغير كبيراً والكبير صغيراً والبعيد قريباً والقبيح جميلاً فإذا تصور استيلاء هذا الحب فمن أين يستحيل ذلك في حب الجمال الأزلي الأبدي الذي لا منتهى لكماله المدرك بعين البصيرة التي لا يعتريها الغلط ولا يدور بها الموت بل تبقى بعد الموت حية عند الله فرحة برزق الله تعالى مستفيدة بالموت مزيد تنبيه واستكشاف فهذا أمر واضح من حيث النظر بعين الاعتبار ويشهد لذلك الوجود وحكايات أحوال المحبين وأقوالهم
فقد قال شقيق البلخي من يرى ثواب الشدة لا يشتهي المخرج منها وقال الجنيد سألت سرياً السقطي هل يجد المحب ألم البلاء قال لا قلت وإن ضرب بالسيف قال نعم وإن ضرب بالسيف سبعين ضربة ضربة على ضربة
وقال بعضهم أحببت كل شيء يحبه حتى لو أحب النار أحببت دخول النار وقال بشر بن الحارث مررت برجل وقد ضرب ألف سوط في شرقية بغداد ولم يتكلم ثم حمل إلى الحبس فتبعته فقلت له لم ضربت فقال لأني عاشق فقلت له ولم سكت قال لأن معشوقي كان بحذائي ينظر إلي فقلت فلو نظرت إلى المعشوق الأكبر قال فزعق زعقة خر ميتا
وقال يحي بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى إذا نظر أهل الجنة إلى الله تعالى ذهبت عيونهم في قلوبهم من لذة النظر إلى الله تعالى ثمانمائة سنة لا ترجع إليهم فما ظنك بقلوب وقعت بين جماله وجلاله إذا لاحظت جلاله هابت وإذا لاحظت جماله تاهت وقال بشر قصدت عبادان في بدايتي فإذا برجل أعمى مجذوم مجنون قد صرع والنمل يأكل لحمه فرفعت رأسه فوضعته في حجري وأنا أردد الكلام فلما أفاق قال من هذا الفضولي الذي يدخل بيني وبين ربي لو قطعني إرباً إرباً ما ازددت له إلا حباً قال بشر فما رأيت بعد ذلك نقمة بين عبد وبين ربه فأنكرتها
وقال أبو عمرو محمد بن الأشعث إن أهل مصر مكثوا أربعة أشهر لم يكن لهم غذاء إلا النظر إلى وجه يوسف الصديق عليه السلام كانوا إذا جاعوا نظروا إلى وجهه فشغلهم جماله عن الإحساس بألم الجوع بل في القرآن ما هو أبلغ من ذلك وهو قطع النسوة أيديهن لاستهتارهن بملاحظة جماله حتى ما أحسسن بذلك
وقال سعيد بن يحيى رأيت بالبصرة في خان عطاء بن مسلم شاباً وفي يده مدية وهو ينادي بأعلى صوته والناس حوله وهو يقول
يوم الفراق من القيامة أطول ... والموت من ألم التفرق أجمل
قالوا الرحيل فقلت لست براحل ... لكن مهجتي التي تترحل
ثم بقر بالمدية بطنه وخر ميتاً فسألت عنه وعن أمره فقيل لي إنه كان يهوى فتى لبعض الملوك حجب عنه يوماً واحداً
ويروى أن يونس عليه السلام قال لجبريل دلني على أعبد أهل الأرض فدله على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه وذهب ببصره فسمعه وهو يقول إلهي متعتني بهما ما شئت أنت وسلبتني ما شئت أنت وأبقيت لي فيك الأمل يا بر يا وصول
ويروى عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه اشتكى له ابن فاشتد