وجده عليه حتى قال بعض القوم لقد خشينا على هذا الشيخ إن حدث بهذا الغلام حدث فمات الغلام فخرج ابن عمر في جنازته وما رجل أشد سروراً أبداً منه فقيل له في ذلك فقال ابن عمر إنما كان حزني رحمة له فلما وقع أمر الله رضينا به
وقال مسروق كان رجل بالبادية له كلب وحمار وديك فالديك يوقظهم للصلاة والحمار ينقلون عليه الماء ويحمل لهم خباءهم والكلب يحرسهم قال فجاء الثعلب فأخذ الديك فحزنوا له وكان الرجل صالحاً فقال عسى أن يكون خيراً ثم جاء ذئب فخرق بطن الحمار فقتله فحزنوا عليه فقال الرجل عسى أن يكون خيراً ثم أصيب الكلب بعد ذلك فقال عسى أن يكون خيراً ثم أصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا قد سبي من حولهم وبقوا هم قال وإنما أخذوا أولئك لما كان عندهم من أصوات الكلاب والحمير والديكة فكانت الخيرة لهؤلاء في هلاك هذه الحيوانات كما قدره الله تعالى
فإذن من عرف خفي لطف الله تعالى رضي بفعله على كل حال
ويروى أن عيسى عليه السلام مر برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنبين بفالج وقد تناثر لحمه من الجذام وهو يقول الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به كثيراً من خلقه فقال له عيسى يا هذا أي شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك فقال يا روح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته فقال له صدقت هات يدك فناوله يده فإذا هو أحسن الناس وجهاً وأفضلهم هيئة وقد أذهب الله عنه ما كان به فصحب عيسى عليه السلام وتعبد معه
وقطع عروة بن الزبير رجله من ركبته من أكلة خرجت بها ثم قال الحمد لله الذي أخذ مني واحدة وليت لئن كنت أخذت لقد أبقيت ولئن كنت ابتليت لقد عافيت ثم لم يدع ورده تلك الليلة
وكان ابن مسعود يقول الفقر والغنى مطيبتان ما أبالي أيتهما ركبت إن كان الفقر فإن فيه الصبر وإن كان الغنى فإن فيه البذل
وقال أبو سليمان الداراني قلت قد نلت من كل مقام حالاً إلا الرضا فمالى منه إلا مشام الريح وعلى ذلك لو أدخل الخلائق كلهم الجنة وأدخلني النار كنت بذلك راضياً
وقيل لعارف آخر هل نلت غاية الرضا عنه فقال أما الغاية فلا ولكن مقام الرضا قد نلته لو جعلني جسراً على جهنم يعبر الخلائق علي إلى الجنة ثم ملأ بي جهنم تحلة لقسمه وبدلاً من خليقته لأحببت ذلك من حكمه ورضيت به من قسمه
وهذا كلام من علم أن الحب قد استغرق همه حتى منعه الإحساس بألم النار فإن بقي إحساس فيغمره ما يحصل من لذته في استشعاره حصول رضا محبوبه بإلقائه إياه في النار
واستيلاء هذه الحالة غير محال في نفسه وإن كان بعيداً من أحوالنا الضعيفة ولكن لا ينبغي أن يستنكر الضعيف المحروم أحوال الأقوياء ويظن أن ما هو عاجز عنه يعجز عنه الأولياء
وقال الروذباري قلت لأبي عبد الله بن الجلاء الدمشقي قول فلان وددت أن جسدي قرض بالمقاريض وأن هذا الخلق أطاعوه ما معناه فقال يا هذا إن كان هذا من طريق التعظيم والإجلال فلا أعرف وإن كان هذا من طريق الإشفاق والنصح للخلق فأعرف قال ثم غشي عليه
وقد كان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة لا يقوم ولا يقعد قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء فجعل يبكي لما يراه من حاله فقال لم تبكي قال لأني أراك على هذه الحالة العظيمة قال لا تبك فإن أحبه إلى الله تعالى أحبه إلي ثم قال أحدثك شيئاً لعل الله أن ينفعك به واكتم علي حتى أموت إن الملائكة تزورني فآنس بها وتسلم علي فأسمع تسليمها فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة فمن يشاهد هذا في بلائه كيف لا يكون راضياً به قال ودخلنا على سوبد بن متعبه نعوده فرأيناه ثوباً ملقى فما ظننا أن تحته شيئاً حتى كشف فقالت له امرأته أهلي