للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فداؤك ما نطعمك

ما نسقيك فقال طالت الضجعة ودبرت الحراقيف وأصبحت نضواً لا أطعم طعاماً ولا أسيغ شراباً منذ كذا فذكر أياماً وما يسرني أني نقصت من هذا قلامة ظفر ولما قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة وقد كان كف بصره جاءه الناس يهرعون إليه كل واحد يسأله أن يدعو له فيدعو لهذا ولهذا وكان مجاب الدعوة قاله عبد الله بن السائب فأتيته وأنا غلام فتعرفت إليه فعرفني وقال أنت قارئ أهل مكة قلت نعم فذكر قصة قال في آخرها فقلت له يا عم أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك فرد الله عليك بصرك فتبسم وقال يا بني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري وضاع لبعض الصوفية ولد صغير ثلاثة أيام لم يعرف له خبر فقيل له لو سألت الله تعالى أن يرده عليك فقال اعتراضي عليه فيما قضي أشد علي من ذهاب ولدي

وعن بعض العباد أنه قال إني أذنبت ذنباً عظيماً فأنا أبكي عليه منذ ستين سنة وكان قد اجتهد في العبادة لأجل التوبة من الذنب فقيل له وما هو قال قلت مرة لشيء كان ليته لم يكن

وقال بعض السلف لو قرض جسمي بالمقاريض لكان أحب إلي من أن أقول لشيءقضاه الله تعالى سبحانه ليته لم يقضه

وقيل لعبد الواحد بن زيد ههنا رجل قد تعبد خمسين سنة فقصده فقال له يا حبيبي أخبرني عنك هل قنعت به قال لا قال أنست به قال لا قال فهل رضيت عنه قال لا قال فإنما مزيدك منه الصوم والصلاة قال نعم قال لولا أني أستحيي منك لأخبرتك بأن معاملتك خمسين سنة مدخولة ومعناه أنك لم يفتح لك باب القلب فتترقى إلى درجات القرب بأعمال القلب وإنما أنت تعد في طبقات أصحاب اليمين لأن مزيدك منه في أعمال الجوارح التى هى مزيد أهل العموم

ودخل جماعة من الناس على الشبلي رحمه الله تعالى في مارستان قد حبس فيه وقد جمع بين يديه حجارة فقال من أنتم فقالوا محبوك فأقبل عليهم يرميهم بالحجارة فتهاربوا فقال ما بالكم ادعيتم محبتي إن صدقتم فاصبروا على بلائي

وللشبلي رحمه الله تعالى

إن المحبة للرحمن أسكرني ... وهل رأيت محباً غير سكران

وقال بعض عباد أهل الشام كلكم يلقى الله عز وجل مصدقاً ولعله قد كذبه وذلك أن أحدكم لو كان له إصبع من ذهب ظل يشير بها ولو كان بها شلل ظل يواريها يعني بذلك أن الذهب مذموم عند الله والناس يتفاخرون به والبلاء زينة أهل الآخرة وهم يستنكفون منه

وقيل إنه وقع الحريق في السوق فقيل للسري احترق السوق وما احترق دكانك فقال الحمد لله ثم قال كيف قلت الحمد لله على سلامتي دون المسلمين فتاب من التجارة وترك الحانوت بقية عمره توبة واستغفاراً من قوله الحمد لله

فإذا تأملت هذه الحكايات عرفت قطعاً أن الرضا بما يخالف الهوى ليس مستحيلاً بل هو مقام عظيم من مقامات أهل الدين

ومهما كان ذلك ممكناً في حب الخلق وحظوظهم كان ممكناً في حق حب الله تعالى وحظوظ الآخرة قطعاً

وإمكانه من وجهين {أحدهما} الرضا بالألم لما يتوقع من الثواب الموجود كالرضا بالفصد والحجامة وشرب الدواء انتظاراً للشفاء

والثاني الرضا به لا لحظ وراءه بل لكونه مراد المحبوب ورضا له فقد يغلب الحب بحيث ينغمر مراد المحب في مراد المحبوب فيكون ألذ الأشياء عنده سرور قلب محبوبه ورضاه ونفوذ إرادته ولو في هلاك روحه كما قيل

فما لجرح إذا أرضاكم ألم ...

وهذا ممكن مع الإحساس بالألم وقد يستولي الحب بحيث يدهش عن إدراك الألم فالقياس والتجربة والمشاهدة

<<  <  ج: ص:  >  >>