للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شريكاً في قتله (١) وقد أمر الله تعالى بالحسد والمنافسة في الخيرات وتوقي الشرور فقال تعالى {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَسَدَ إِلَّا في اثنتين رجل آتاه الله حكمة فهو يبثها في الناس ويعلمها ورجل أَتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحق (٢) وفي لفظ آخر ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار فيقول الرجل لو آتاني الله مثل ما آتى هذا لفعلت مثل ما يفعل

وأما بغض الكفار والفجار والإنكار عليهم ومقتهم فما ورد فيه من شواهد القرآن والأخبار لا يحصى مثل قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وقال تعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً وفي الخبر إن الله تعالى أخذ الميثاق على كل مؤمن أن يبغض كل منافق وعلى كل منافق أن يبغض كل مؤمن (٣) وقال عليه السلام المرء مع من أحب (٤) وقال من أحب قوماً ووالاهم حشر معهم يوم القيامة (٥) وقال عليه السلام أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله (٦) وشواهد هذا قد ذكرناها في بيان الحب والبغض في الله تعالى من كتاب آداب الصحبة وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا نعيده

فإن قلت فقد وردت الآيات والأخبار بالرضا بقضاء الله تعالى (٧) فإن كانت المعاصي بغير قضاء الله تعالى فهو محال وهو قادح في التوحيد وإن كانت بقضاء الله تعالى فكراهتها ومقتها كراهة لقضاء الله تعالى وكيف السبيل إلى الجمع وهو متناقض على هذا الوجه وكيف يمكن الجمع بين الرضا والكراهة في شيء واحد فاعلم أن هذا مما يلتبس على الضعفاء القاصرين عن الوقوف على أسرار العلوم وقد التبس على قوم حتى رأوا السكوت عن المنكر مقاماً من مقامات الرضا وسموه حسن الخلق وهو جهل محض بل نقول الرضا والكراهة يتضادان إذا تواردا على شيء واحد من جهة واحدة على وجه واحد فليس من التضاد في شيء واحد أن يكرهه من وجه ويرضى به من وجه إذ قد يموت عدوك الذي هو أيضاً عدو بعض أعدائك وساع في إهلاكه فتكره موته من حيث إنه مات عدو عدوك وترضاه من حيث إنه مات عدوك

وكذلك المعصية لها وجهان وجه إلى الله تعالى من حيث إنه فعله واختياره وإرادته فيرضى به من هذا الوجه تسليما للملك إلى مالك الملك ورضا بما يفعله فيه ووجه إلى العبد من حيث إنه كسبه ووصفه وعلامة كونه ممقوتاً عند الله وبغيضاً عنده حيث سلط عليه أسباب البعد والمقت فهو من هذا الوجه منكر ومذموم

ولا ينكشف هذا لك إلا بمثال


(١) حديث لو أن رجلا قتل بالمشرق ورضي بقتله آخر في المغرب كان شريكاً في قتله لم أجد له أصلا بهذا اللفظ ولابن عدى من حديث أبي هريرة من حضر معصية فكرهها فكأنما غاب عنها ومن غاب عنها فأحبها فكأنما حضرها وتقدم في كتاب الأمر بالمعروف
(٢) حديث لا حسد إلا في اثنتين الحديث أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة ومسلم من حديث ابن مسعود وقد تقدم في العلم
(٣) حديث إن الله أخذ الميثاق على كل مؤمن أن يبغض كل منافق الحديث لم أجد له أصلا
(٤) حديث المرء مع من أحب تقدم
(٥) حديث من أحب قوماً ووالاهم حشر معهم أخرجه الطبرانى من حديث أبى قرصافة وابن عدى من حديث جابر من أحب قوما على أعمالهم حشر في زمرتهم زاد ابن عدى يوم القيامة وفي طريقه إسماعيل بن محيى التيمى ضعيف
(٦) حديث أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله رواه أحمد وتقدم في آداب الصحبة
(٧) الأخبار الواردة في الرضا بقضاء الله رواها الترمذى من حديث سعد بن أبي وقاص من سعادة ابن آدم وضاه بما قسم الله عز وجل الحديث وقال غريب وتقدم حديث ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وحديث إن الله بقسطه جعل الروح والفرح في الرضا وتقدم في حديث الاستخارة واقدر لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ وحديث من رضي من الله بالقليل من الرزق رضي منه بالقليل من العمل وحديث أسألك الرضا بالقضاء الحديث وغير ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>