للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسك وهى أعظم عدو لك واشد طغيانا عليك وضررك من طغيانها أعظم من ضررك من طغيان أهلك فان غايتهم أن يشوشوا عليك معيشة الدنيا ولو عقلت لعلمت إن العيش عيش الآخرة وإن فيه النعيم المقيم الذى لا آخر له ونفسك هى التي تنغص عليك عيش الآخرى فهى بالمعاقبة أولى من غيرها المرابطة الخامسة: المجاهدة

وهو انه إذا حاسب نفسه فرآها قد قارفت معصية فينبغى ان يعاقبها بالعقوبات التي مضت وان رآها تتوانى بحكم الكسل في شىء من الفضائل أو ورد من الأوراد فينبغى أن يؤدبها بتثقيل الأوراد عليها ويلزمها فنونا من الوظائف جبرا لما فات منه وتداركالما فرط فهكذا كان يعمل عمال الله تعالى فقد عاقب عمر بن الخطاب نفسه حين فاتته صلاة العصر في جماعة بأن تصدق بأرض كانت له قيمتها مائتا ألف درهم وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة في جماعة أحيا تلك الليلة وأخر ليلة صلاة المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين

وفات ابن أبى ربيعة ركعتا الفجر فاعتق رقبة

وكان بعضهم يجعل على نفسه صوم سنة أو الحج ما شيا أو التصدق بجميع ماله

كل ذلك مرابطه للنفس ومؤاخذة لها بما فيه نجاتها

فإن قلت إن كانت نفسى لا تطاوعنى على المجاهدة والمواظبة على الأوراد فما سبيل معالجتها فأقول سبيلك في ذلك ان تسمعها ما ورد في الأخبار من فضل المجتهدين (١) ومن أنفع أسباب العلاج أن تطلب صحبة عبد من عباد الله مجتهد في العبادة فتلاحظ أقواله وتقتدى به وكان بعضهم يقول كنت إذا اعترتنى فترة في العبادة نظرت إلى أحوال محمد بن واسع والى اجتهاده فعملت على ذلك أسبوعا إلا أن هذا العلاج قد تعذر اذ قد فقد في هذا الزمان من يجتهد في العبادة اجتهاد الاولين فينبغى ان يعدل من المشاهدة الى السماع فلا شىء انفع من سماع أحوالهم ومطالعة اخبارهم وما كانوا فيه من الجهد الجهيد وقد انقضى تعبهم وبقى ثوابهم ونعيمهم ابد الاباد لا ينقطع فما اعظم ملكهم وما أشد حسرة من لا يقتدى بهم فيمتع نفسه أياما قلائل بشهوات مكدرة ثم يأتيه الموت ويحال بينه وبين كل ما يشتهيه أبد الآباد نعوذ بالله تعالى من ذلك

ونحن نورد من اوصاف المجتهدين وفضائلهم ما يحرك رغبة المريد في الاجتهاد اقتداء بهم فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحم الله اقواما يحسبهم الناس مرضى وما هم بمرضى (٢) حديث طوبي لمن طال عمره وحسن عمله أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن بشر وفيه بقية رواه بصيغة عن وهو مدلس وللترمذى من حديث أبى بكرة خير الناس من طال عمره وحسن عمله وقال حسن صحيح وقد تقدم //

ويروى أن الله تعالى يقول لملائكته ما بال عبادي مجتهدين فيقولون الهنا خوفتهم شيئا فخافوه وشوقتهم الى شىء فاشتاقوا إليه فيقول الله تبارك وتعالى فكيف لو رآنى عبادى لكانوا اشد اجتهادا وقال الحسن أدركت أقواما وصحبت


(١) الأخبار الواردة في حق المجتهدين أخرجها أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين وله وللنسائي وابن ماجه من حديث أبى هريرة بإسناد صحيح رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وايقظ امرأته وللترمذى من حديث بلال عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ الحديث وقال غريب ولا يصح وقد تقدم في الأوراد مع غيره من الأخبار في ذلك
(٢) حديث رحم الله أقواما تحسبهم مرضى وما بمرضى لم أجد له أصلا في حديث مرفوع لا لكن رواه أحمد في الزهد موقوفا على في كلام له قال فيه ينظر اليهم الناظر فيقول مرضى وما بالقوم من مرض قال الحسن أجهدتهم العبادة قال الله تعالى {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} قال الحسن يعملون ما عملوا من أعمال البر ويخافون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طوبى لمن طال عمره وحسن عمله

<<  <  ج: ص:  >  >>