طوائف منهم ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ولا يتأسفون على شيء منها أدبر ولهى كانت أهون في أعينهم من هذا التراب الذى تطئونه بارجلكم أن كان احدهم ليعيش عمره كله ما طوى له ثوب ولا أمر أهله بصنعة طعام قط ولا جعل بينه وبين الأرض شيئاً قط وأدركتهم عاملين بكتاب ربهم وسنة نبيهم إذا جنهم الليل فقيام على أطرافهم يفترشون وجوههم تجري دموعهم على خدودهم يناجون ربهم في فكاك رقابهم إذا عملوا الحسنة فرحوا بها ودأبوا في شكرها وسألوا الله ان يتقبلها وإذا عملوا السيئة أحزنتهم وسألوا الله تعالى أن يغفرها لهم والله ما زالوا كذلك وعلى ذلك ووالله ما سلموا من الذنوب ولا نجوا الا بالمغفرة ويحكى أن قوماً دخلوا على عمر بن عبد العزيز يعودونه في مرضه واذا فيهم شاب ناحل الجسم فقال عمر له يا فتى ما الذى بلغ بك ما أرى فقال يا أمير المؤمنين اسقام وأمراض فقال سألتك بالله الا صدقتنى فقال يا أمير المؤمنين ذقت حلاوة الدنيا فوجدتها مرة وصغر عندى زهرتها وحلاوتها واستوى عند ذهبها وحجرها وكأنى أنظر إلى عرش ربى والناس يساقون إلى الجنة والنار فأظمأت لذلك نهارى وأسهرت ليلى وقليل حقير كل ما إنا فيه في جنب ثواب الله وعقابه وقال أبو نعيم كان داود الطائى يشرب الفتيت ولا يأكل الخبز فقيل له في ذلك فقال بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية
ودخل رجل عليه يوما فقال ان في سقف بيتك جذعا مكسورا فقال يا ابن أخي ان لى في البيت منذ عشرين سنة ما نظرت الى السقف
وكانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام
وقال محمد بن عبد العزيز جلسنا إلى أحمد بن رزين من غدوة إلى العصر فما التفت يمنه ولا يسرة فقيل له في ذلك فقال إن الله عز وجل خلق العينين لينظر بهما العبد الى عظمة الله تعالى فكل من نظر بغير اعتبار كتبت عليه خطيئة وقالت امرأة مسروق ما كان يوجد مسروق إلا وساقاه منتفختان من طول الصلاة
وقالت والله ان كنت لاجلس خلفه فابكى رحمة له
وقال أبو الدرداء لولا ثلاث ما أحببت العيش يوما واحدا الظمأ لله بالهواجر والسجود لله في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر وكان الأسود بن يزيد يجتهد في العبادة ويصوم فى الحر حتى يخضر جسده ويصفر فكان علقمة بن قيس يقول له لم تعذب نفسك فيقول كرامتها أريد
وكان يصوم حتى يخضر جسده ويصلى حتى يسقط فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا له إن الله عز وجل لم يأمرك بكل هذا فقال إنما أنا عبد مملوك لا أدع من الاستكانة شيئا الا جئت به
وكان بعض المجتهدين يصلى كل يوم الف ركعة حتى أقعد من رجليه فكان يصلى جالسا ألف ركعة فإذا صلى العصر احتبى ثم قال عجبت للخليقة كيف أرادت بك بدلا منك عجبت للخليقة كيف أنست بسواك بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبها بذكر سواك وكان ثابت البنانى قد حببت إليه الصلاة فكان يقول اللهم ان كنت أذنت لأحد أن يصلى لك في قبره فائذن لي أن أصلى في قبرى
وقال الجنيد ما رأيت أعبد من السرى اتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعا إلا في علة الموت
وقال الحارث بن سعد مر قوم براهب فرأوا ما يصنع بنفسه من شدة اجتهاده فكلموه في ذلك فقال وما هذا عند ما يراد بالخلق من ملاقاة الأهوال وهم غافلون قد اعتكفوا على حظوظ أنفسهم ونسوا حظهم الأكبر من ربهم فبكى القوم عن آخرهم
وعن أبى محمد المغازلى قال جاور أبو محمد الجريرى بمكة سنة فلم ينم ولم يتكلم ولم يستند إلى عمود ولا الى حائط ولم يمد رجليه فعبر عليه أبو بكر الكتانى فسلم عليه وقال له يا أبا محمد بم قدرت على اعتكافك هذا فقال علم صدق باطنى فأعاننى على ظاهرى فاطرق الكتاني ومشى مفكرا وعن بعضهم قال دخلت على فتح الموصلى فرأيته قد مد كفيه