للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلست مع الناس كان آنس لك فيقول لقمان إن طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنة وقال وهب بن منبه ما طالت فكرة امرئ قط إلا علم وما علم امرؤ قط إلا عمل

وقال عمر بن عبد العزيز الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة

وقال عبد الله بن المبارك يوما لسهل بن على ورآه ساكتا متفكرا أين بلغت قال الصراط

وقال بشر لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل وعن ابن عباس ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب

وبينا أبو شريح يمشى إذ جلس فتقنع بكسائه فجعل يبكى فقيل له ما يبكيك قال تفكرت في ذهاب عمرى وقلة عملى واقتراب أجلى

وقال أبو سليمان عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر وقال أبو سليمان الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحيى القلوب وَقَالَ حاتم مِنَ الْعِبْرَةِ يَزِيدُ الْعِلْمُ وَمِنَ الذكر يزيد يَزِيدُ الْحُبُّ وَمِنَ التَّفَكُّرِ يَزِيدُ الْخَوْفُ

وَقَالَ ابن عباس التفكر في الخير يدعو إلى العمل به والندم على الشر يدعو إلى تركه

ويروى أن الله تعالى قال في بعض كتبه إنى لست أقبل كلام كل حكيم ولكن انظر إلى همه وهواه فإذا كان همه وهواه لى جعلت صمته تفكرا وكلامه حمدا وإن لم يتكلم

وقال الحسن إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة

وقال إسحاق بن خلف كان داود الطائي رحمة الله تعالى على سطح في ليلة قمراء فتفكر في ملكوت السموات والأرض وهو ينظر إلى السماء ويبكى حتى وقع في دار جار له قال فوثب صاحب الدار من فراشه عريانا وبيده سيف وظن أنه لص فلما نظر إلى داود رجع ووضع السيف وقال من ذا الذى طرحك من السطح قال ما شعرت بذلك

وقال الجنيد اشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد والتنسم بنسيم المعرفة والشرب بكأس المحبة من بحر الوداد والنظر بحسن الظن لله عز وجل ثم قال يا لها من مجالس ما أجلها ومن شراب ما ألذه طوبى لمن رزقه

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اسْتَعِينُوا عَلَى الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر

وقال أيضا صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم والروية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة ومشاورة الحكماء ثبات في النفس وقوة في البصيرة ففكر قبل أن تعزم وتدبر قبل أن تهجم وشاور قبل أن تقدم

وقال أيضا الفضائل أربع إحداها الحكمة وقوامها الفكرة

والثانية العفة وقوامها في الشهوة

والثالثة القوة وقوامها في الغضب والرابعة العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس

فهذه أقاويل العلماء في الفكرة وما شرع أحد منهم في ذكر حقيقتها وبيان مجاريها

بيان حقيقة الفكر وثمرته

أعلم أن معنى الفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة

ومثاله أن من مال إلى العاجلة وآثر الحياة الدنيا وإراد أن يعرف أن الآخرة أولى بالإيثار من العاجلة فله طريقان {أحدهما} أن يسمع من غيره أن الآخرة أولى بالإيثار من الدنيا فيقلده ويصدقه من غير بصيرة بحقيقة الأمر فيميل بعمله إلى إيثار الآخرة اعتمادا على مجرد قوله وهذا يسمى تقليدا ولا يسمى معرفة

والطريق الثاني أن يعرف أن الأبقى أولى بالإيثار ثم يعرف أن الآخرة أبقى

فيحصل له من هاتين المعرفتين معرفة ثالثة وهو أن الآخرة أولى بالإيثار ولا يمكن تحقق المعرفة بأن الآخرة أولى بالإيثار إلا بالمعرفتين السابقتين

فإحضار المعرفتين السابقتين في القلب للتوصل به إلى المعرفة الثالثة يسمى تفكرا واعتبارا وتذكرا ونظرا

<<  <  ج: ص:  >  >>