للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن تفكر في نفسه فيكون فكره في صفاته التى تسقطه من عين محبوبه حتى يتنزه عنها أو في الصفات التى تقربه منه وتحببه إليه حتى يتصف بها

فإن تفكر في شيء خارج عن هذه الأقسام فذلك خارج عن حد العشق وهو نقصان فيه لأن العشق التام الكامل ما يستغرق العاشق ويستوفي القلب حتى لا يترك فيه متسعا لغيره

فمحب الله تعالى ينبغى أن يكون كذلك فلا يعدو نظره وتفكره محبوبه

ومهما كان تفكره محصورا في هذه الأقسام الأربعة لم يكن خارجاً عن مقتضى المحبة أصلا فلنبدأ بالقسم الأول وهو تفكره في صفات نفسه وأفعال نفسه ليميز المحبوب منها عن المكروه فإن هذا الفكر هو الذى يتعلق بعلم المعاملة الذى هو المقصود بهذا الكتاب وأما القسم الآخر فيتعلق بعلم المكاشفة

ثم كل واحد مما هو مكروه عند الله أو محبوب ينقسم إلى ظاهر كالطاعات والمعاصى وإلى باطن كالصفات المنجيات والمهلكات التى محلها القلب وذكرنا تفصيلها في ربع المهلكات والمنجيات

والمعاصى تنقسم إلى ما يتعلق بالأعضاء السبعة وإلى ما ينسب إلى جميع البدن كالفرار من الزحف وعقوق الوالدين والسكون في المسكن الحرام

ويجب في كل واحد من المكاره التفكر في ثلاثة أمور {الأول} التفكر في أنه هل هو مكروه عند الله أم لا فرب شيء لا يظهر كونه مكروها بل يدرك بدقيق النظر والثاني التفكر في أنه إن كان مكروها فما طريق الاحتراز عنه والثالث أن هذا المكروه هل هو متصف به في الحال فيتركه أو هو متعرض له في الاستقبال فيحترز عنه أو قارفه فيما مضى من الأحوال فيحتاج إلى تداركه وكذلك كل واحد من المحبوبات ينقسم إلى هذه الانقسامات فإذا جمعت هذه الاقسام زادت مجارى الفكر في الأقسام على مائة والعبد مدفوع إلى الفكر إما في جميعها أو في أكثرها

وشرح آحاد هذه الانقسامات يطول ولكن انحصر هذا القسم في أربعة أنواع الطاعات والمعاصى والصفات المهلكات والصفات المنجيات

فلنذكر في كل نوع مثالا ليقيس به المريد سائرها وينفتح له باب الفكر ويتسع عليه طريقه

النوع الأول المعاصى ينبغى أَنْ يُفَتِّشَ الْإِنْسَانُ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ جَمِيعَ أعضائه السبعة تفصيلا ثم بدنه على الجملة هَلْ هُوَ فِي الْحَالِ مُلَابِسٌ لِمَعْصِيَةٍ بِهَا فَيَتْرُكَهَا أَوْ لَابَسَهَا بِالْأَمْسِ فَيَتَدَارَكَهَا بِالتَّرْكِ وَالنَّدَمِ أَوْ هُوَ مُتَعَرِّضٌ لَهَا فِي نَهَارِهِ فَيَسْتَعِدَّ لِلِاحْتِرَازِ وَالتَّبَاعُدِ عَنْهَا

فَيَنْظُرَ فِي اللِّسَانِ وَيَقُولَ إِنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلْغَيْبَةِ وَالْكَذِبِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالْغَيْرِ وَالْمُمَارَاةِ وَالْمُمَازَحَةِ وَالْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِي إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَكَارِهِ فَيُقَرِّرَ أَوَّلًا فِي نَفْسِهِ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَفَكَّرَ فِي شَوَاهِدِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى شِدَّةِ العذاب فيها ثم يتفكر في أحواله أنه كيف يتعرض لها من حيث لا يشعر ثم يتفكر أنه كيف يحترز منه ويعلم أنه لا يتم له ذلك إلا بالعزلة والانفراد أو بأن لا يجالس إلا صالحا تقيا ينكر عليه مهما تكلم بما يكرهه الله وإلا فيضع حجرا في فيه إذا جالس غيره حتى يكون ذلك مذكرا له فهكذا يكون الفكر في حيلة الاحتراز

ويتفكر في سمعه يُصْغِيَ بِهِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَالْكَذِبِ وَفُضُولِ الْكَلَامِ وإلى اللهو والبدعة وأن ذلك إنما يسمعه من زيد وعمرو وأنه ينبغى أن يحترز عنه بالاعتزال أو بالنهى عن المنكر فمهما كان ذلك فيتفكر فِي بَطْنِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إِمَّا بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ مِنَ الحلال

<<  <  ج: ص:  >  >>