في ربع المهلكات فإذا دلت العلامة على وجودها فكر في الأسباب التى تقبح تلك الصفات عنده وتبين أن منشأها من الجهل والغفلة وخبث الدخلة
كما لو رأى من نفسه عجبا بالعمل فيتفكر ويقول إنما عمل ببدني وجارحتى وبقدرتى وإرادتى وكل ذلك ليس مني ولا إلى وإنما هو من خلق الله وفضله علي فهو الذي خلقني وخلق جارحتي وخلق قدرتي وإرادتي وهو الذي حرك أعضائي بقدرته وكذلك قدرتي وإرادتي فكيف أعجب بعملي أو بنفسي ولا أقوم لنفسي بنفسي
فإذا أحس في نفسه بالكبر قرر على نفسه ما فيه من الحماقة ويقول لها لم ترين نفسك أكبر والكبير من هو عند الله كبير وذلك ينكشف بعد الموت وكم من كافر في الحال يموت مقربا إلى الله تعالى بنزوعه عن الكفر وكم من مسلم يموت شقيا بتغير حاله عند الموت بسوء الخاتمة
فإذا عرف أن الكبر مهلك وأن أصله الحماقة فيتفكر في علاج إزالة ذلك بأن يتعاطى أفعال المتواضعين
وإذا وجد في نفسه شهوة الطعام وشرهه تفكر في أن هذه صفة البهائم ولو كان في شهوة الطعام والوقاع كمال لكان ذلك من صفات الله وصفات الملائكة كالعلم والقدرة ولما اتصف به البهائم ومهما كان الشره عليه أغلب كان بالبهائم أشبه وعن الملائكة المقربين أبعد
وكذلك يقرر على نفسه في الغضب ثم يتفكر في طريق العلاج وكل ذلك ذكرناه في هذه الكتب
فمن يريد أن يتسع له طريق الفكر فلا بد له من تحصيل ما في هذه الكتب
وأما النوع الرابع وهو المنجيات فهو التَّوْبَةُ وَالنَّدَمُ عَلَى الذُّنُوبِ وَالصَّبْرُ عَلَى الْبَلَاءِ وَالشُّكْرُ عَلَى النَّعْمَاءِ وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا وَالْإِخْلَاصُ وَالصِّدْقُ فِي الطَّاعَاتِ وَمَحَبَّةُ اللَّهِ وَتَعْظِيمُهُ وَالرِّضَا بِأَفْعَالِهِ وَالشَّوْقُ إِلَيْهِ وَالْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ له
وكل ذلك ذكرناه في هذا الربع وذكرنا أسبابه وعلاماته
فليتفكر العبد كُلَّ يَوْمٍ فِي قَلْبِهِ مَا الَّذِي يَعُوزُهُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ الْمُقَرِّبَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا افْتَقَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَعْلَمْ أَنَّهَا أَحْوَالٌ لَا يُثْمِرُهَا إِلَّا عُلُومٌ وَأَنَّ الْعُلُومَ لَا يُثْمِرُهَا إِلَّا أَفْكَارٌ
فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتَسِبَ لِنَفْسِهِ أَحْوَالَ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ فَلْيُفَتِّشْ ذُنُوبَهُ أَوَّلًا وَلْيَتَفَكَّرْ فِيهَا وَلْيَجْمَعْهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلْيُعَظِّمْهَا فِي قَلْبِهِ
ثُمَّ لْيَنْظُرْ فِي الْوَعِيدِ وَالتَّشْدِيدِ الَّذِي وَرَدَ فِي الشَّرْعِ فِيهَا وليتحقق عِنْدَ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِمَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْبَعِثَ لَهُ حَالُ النَّدَمِ
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَثِيرَ مِنْ قَلْبِهِ حَالَ الشُّكْرِ فَلْيَنْظُرْ في إحسان الله إليه وَأَيَادِيهِ عَلَيْهِ وَفِي إِرْسَالِهِ جَمِيلَ سَتْرِهِ عَلَيْهِ على ما شرحنا بعضه في كتاب الشكر فليطالع ذلك
وَإِذَا أَرَادَ حَالَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ فَلْيَتَفَكَّرْ فِي جَلَالِ اللَّهِ وَجَمَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ في عجائب حكمته وبدائع صنعه كما سنشير إلى طرف منه في القسم الثاني من الفكر وَإِذَا أَرَادَ حَالَ الْخَوْفِ فَلْيَنْظُرْ أَوَّلًا فِي ذُنُوبِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ ثُمَّ لْيَنْظُرْ فِي الْمَوْتِ وسكراته ثم فيما بعده من سؤال منكر ونكير وعذاب الْقَبْرِ وَحَيَّاتِهِ وَعَقَارِبِهِ وَدِيدَانِهِ ثُمَّ فِي هَوْلِ النداء عند نفخة الصور ثم في هول المحشر عند جمع الْخَلَائِقِ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ فِي الْمُنَاقَشَةِ في الحساب في النقير والقطمير ثم في الصراط ودقته وحدته ثم في خطر الأمر عنده أنه يصرف إلى الشمال فيكون من أصحاب النار أو يصرف إلى اليمين فينزل دار القرار ثم ليحضر بعد أهوال القيامة في قلبه صورة جهنم ودركاتها ومقامعها وأهوالها وسلاسلها وأغلالها وزقومها وصديدها وأنواع العذاب فيها وقبح صور الزبانية الموكلين بها وَأَنَّهُمْ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَهَا
وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهَا مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لها تغيظا وزفيرا وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ شَرْحِهَا
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَجْلِبَ حَالَ الرَّجَاءِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَأَشْجَارِهَا وأنهارها وحورها وولدانها وَنَعِيمِهَا الْمُقِيمِ وَمُلْكِهَا الدَّائِمِ