وصفات ومنافعى واختلاف حالاتى وكثرة فوائدى أتظن أنى كونت نفسى أو خلقنى أحد من جنسى أو ما تستحيى أن تنظر فى كلمة مرقومة من ثلاثة أحرف فتقطع بأنها من صنعة آدمى عالم قادر مريد متكلم ثم تنظر إلى عجائب الخطوط الإلهية المرقومة على صفحات وجهى بالقلم الإلهى الذى لا تدرك الأبصار ذاته ولا حركته ولا اتصاله بمحل الخط ثم ينفك قلبك عن جلالة صانعه
وتقول النطفة لأرباب السمع والقلب لا للذين هم عن السمع معزولون توهمنى فى ظلمة الأحشاء مغموسة فى دم الحيض فى الوقت الذى يظهر التخطيط والتصوير على وجهى فينفش النقاش حدقتى وأجفانى وجبهتى وخدى وشفتى فترى التقويس يظهر شيئاً فشيئاً على التدريج ولا ترى داخل النطفة نقاشا ولا خارجها ولا داخل الرحم ولا خارجه ولا خبر منها للأم ولا للأب ولا للنطفة ولا للرحم فما هذا النقاش بأعجب مما نشاهده ينقش بالقلم صورة عجيبة لو نظرت إليها مرة أو مرتين لتعلمته فهل تقدر على أن تتعلم هذا الجنس من النقش والتصوير الذى يعم ظاهر النطفة وباطنها وجميع أجزائها من غير ملامسة للنطفة ومن غير اتصال بها لا من داخل ولا من خارج فإن كنت لا تتعجب من هذه العجائب ولا تفهم بها أن الذى صور ونقش وقدر لا نظير له ولا يساويه نقاش ولا مصور كما أن نقشه وصنعه لا يساويه نقش وصنع فبين الفاعلين من المباينة والتباعد ما بين الفعلين فإن كنت لا تتعجب من هذا فتعجب من عدم تعجبك فإنه أعجب من كل عجب فإن الذى أعمى بصيرتك مع هذا الوضوح ومنعك من التبيين مع هذا البيان جدير بأن تتعجب منه فسبحان من هدى وأضل وأغوى وأرشد وأشقى وأسعد وفتح بصائر أحبابه فشاهدوه فى جميع ذرات العالم وأجزائه وأعمى قلوب أعدائه واحتجب عنهم بعزه وعلائه فله الخلق والأمر والامتنان والفضل واللطف والقهر لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه
ومن آياته الهواء اللطيف المحبوس بين مقعر السماء ومحدب الأرض يدرك بحس اللمس عند هبوب الرياح جسمه ولا يرى بالمين شخصه وجملته مثل البحر الواحد والطيور محلقة فى جو السماء ومستبقة سباحة فيه بأجنحتها كما تسبح حيوانات البحر فى الماء وتضطرب جوانبه وأمواجه عند هبوب الرياح كما تضطرب أمواج البحر فإذا حرك الله الهواء وجعله ريحا هابة فإن شاء جعله نشرابين يَدَيْ رَحْمَتِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لواقح فَيَصِلُ بِحَرَكَتِهِ رُوحُ الْهَوَاءِ إِلَى الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ فَتَسْتَعِدُّ لِلنَّمَاءِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ عَذَابًا عَلَى الْعُصَاةِ مِنْ خَلِيقَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ثم انظر إلى لطف الهواء ثم شدته وقوته مهما ضغط فى الماء فالزق المنفوخ يتحامل عليه الرجل القوى ليغمسه فى الماء فيعجز عنه والحديد الصلب تضعه على وجه الماء فيرسب فيه
فانظر كيف ينقبض الهواء من الماء بقوته مع لطافته وبهذه الحكمة أمسك الله تعالى السفن على وجه الماء وكذلك كل مجوف فيه هواء لا يغوص فى الماء لأن الهواء ينقبض عن الغوص فى الماء فلا ينفصل عن السطح الداخل من السفينة فتبقى السفينة الثقيلة مع قوتها وصلابتها معلقة فى الهواء اللطيف كالذى يقع فى بئر فيتعلق بذيل رجل قوى ممتنع عن الهوى فى البئر
فالسفينة بمقعرها تتشبث بأذيال الهواء القوى حتى تمتنع من الهوى والغوص فى الماء فسبحان من علق المركب الثقيل فى الهواء اللطيف من غير علاقة تشاهد وعقدة تشد