للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمثله وهكذا فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما وهكذا كان أرباب القلوب يداوون قلوبهم ولا دواء من حيث الظاهر إلا هذه الأعمال الدالة على التذلل والتواضع وقبول المنة ومن حيث الباطن المعارف التي ذكرناها هذا من حيث العمل وذلك من حيث العلم

ولا يعالج القلب إلا بمعجون العلم والعمل وهذه الشريطة من الزكوات تجري مجرى الخشوع من الصلاة وثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها (١) وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم لا يتقبل الله صدقة منان وكقوله عز وجل لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى وأما فتوى الفقيه بوقوعها موقعها وبراءة ذمته عنها دون هذا الشرط فحديث آخر وقد أشرنا إلى معناه في كتاب الصلاة

الوظيفة السَّادِسَةُ أَنْ يَسْتَصْغِرَ الْعَطِيَّةَ فَإِنَّهُ إِنِ اسْتَعْظَمَهَا أُعْجِبَ بِهَا وَالْعُجْبُ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ وَهُوَ مُحْبِطٌ للأعمال قال تعالى ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً ويقال إن الطاعة كلما استصغرت عظمت عند الله عز وجل

والمعصية كلما استعظمت صغرت عند الله عز وجل

وقيل لا يتم المعروف إلا بثلاثة أمور تصغيره وتعجيله وستره وليس الاستعظام هو المن والأذى فإنه لو صرف ماله إلى عمارة مسجد أو رباط أمكن فيه الاستعظام ولا يمكن فيه المن والأذى بل العجب والاستعظام يجري في جميع العبادات ودواؤه علم وعمل

امام العلم فهو أن يعلم أن العشر أو ربع العشر قليل من كثير وأنه قد قنع لنفسه بأخس درجات البذل كما ذكرنا في فهم الوجوب فهو جدير بأن يستحيي منه فكيف يستعظمه وإن ارتقى إلى الدرجة العليا فبذل كل ماله أو أكثره فليتأمل أنه من أين له المال وإلى ماذا يصرفه فالمال لله عز وجل وله المنة عليه إذ أعطاه ووفقه لبذله فلم يستعظم في حق الله تعالى ما هو عين حق الله سبحانه وإن كان مقامه يقتضي أن ينظر إلى الآخرة وأنه يبذله للثواب فلم يستعظم بذل ما ينتظر عليه أضعافه

وأما العمل فهو أن يعطيه عطاء الخجل من بخل بإمساك بقية ماله عن الله عز وجل فتكون هيئته الانكسار والحياء كهيئة من يطالب برد وديعة فيمسك بعضها ويرد البعض لأن المال كله لله عز وجل وبذل جميعه هو الأحب عند الله سبحانه وإنما لم يأمر به عبده لأنه يشق عليه بسبب بخله كما قال الله عز وجل فيحفكم تبخلوا

الوظيفة السَّابِعَةُ أَنْ يَنْتَقِيَ مِنْ مَالِهِ أَجْوَدَهُ وَأَحَبَّهُ إِلَيْهِ وَأَجَلَّهُ وَأَطْيَبَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لا يقبل إلا طيباً وإذا كان المخرج من شبهة فربما لا يكون ملكاً له مطلقاً فلا يقع الموقع

وفي حديث أبان عن أنس بن مالك طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية (٢) وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُخْرَجُ مِنْ جِيدِ الْمَالِ فَهُوَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ إِذْ قَدْ يُمْسِكُ الجيد لنفسه أو لعبده أو لأهله فَيَكُونُ قَدْ آثَرَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَهُ وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بِضَيْفِهِ وَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَرْدَأَ طَعَامٍ فِي بَيْتِهِ لَأُوغِرَ بِذَلِكَ صَدْرُهُ هذا إن كان نظره إلى الله عز وجل وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة فليس بعاقل من يؤثر غيره على نفسه وليس له من ماله إلا ما تصدق به فأبقى أو اكل فأفني والذي يأكله قضاء وطر في الحال فليس من العقل قصر النظر على العاجلة وترك الادخار وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فيه أي لا تأخذوه إِلَّا مَعَ كَرَاهِيَةٍ وَحَيَاءٍ وَهُوَ مَعْنَى الْإِغْمَاضِ فلا تؤثروا به ربكم

وفي الخبر سبق درهم مائة ألف درهم (٣)


(١) حديث ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها تقدم في الصلاة
(٢) حديث أنس طوبى لعبد أنفق من مال اكتسبه من غير معصية أخرجه ابن عدي والبزار
(٣) حديث سبق درهم مائة ألف أخرجه النسائي وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة

<<  <  ج: ص:  >  >>