للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملك والسلطنة لم ينفع الترغيب وإحدى فوائد لذات الدنيا الرغبة في دوامها في الجنة ليكون باعثاً على عبادة الله

فانظر إلى الحكمة ثم إلى الرحمة ثم إلى التعبية الإلهية كيف عبيت تحت شهوة واحدة حياتان حياةً ظاهرةً وحياةً باطنةً فالحياة الظاهرة حياة المرء ببقاء نسله فإنه نوع من دوام الوجود والحياة الباطنة هي الحياة الأخروية فإن هذه اللذة الناقصة بسرعة الانصرام تحرك الرغبة في اللذة الكاملة بلذة الدوام فيستحث على العبادة الموصلة إليها فيستفيد العبد بشدة الرغبة فيها تيسر المواظبة على ما يوصله إلى نعيم الجنان وما من ذرة من ذرات بدن الإنسان باطناً وظاهراً بل ذرات ملكوت السموات والأرض إلا وتحتها من لطائف الحكمة وعجائبها ما تحار العقول فيها ولكن إنما ينكشف للقلوب الطاهرة بقدر صفائها بقدر رغبتها عن زهرة الدنيا وغرورها وغوائلها فالنكاح بسبب دفع غائلة الشهوة مهم في الدين لكل من لا يؤتى عن عجز وعنة وهم غالب الخلق فإن الشهوة إذا غلبت ولم يقاومها قوة التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش وإليه أشار بقوله عليه الصلاة والسلام عن الله تعالى {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير} وإن كان ملجماً بلجام التقوى فغايته أن يكف الجوارح عن إجابة الشهوة فيغض البصر ويحفظ الفرج فأما حفظ القلب عن الوسواس والفكر فلا يدخل تحت اختياره بل لا تزال النفس تجاذبه وتحدثه بأمور الوقاع ولا يفتر عنه الشيطان الموسوس إليه في أكثر الأوقات وقد يعرض له ذلك في أثناء الصلاة حتى يجري على خاطره من أمور الوقاع ما لو صرح به بين يدي أخس الخلق لاستحى منه والله مطلع على قلبه والقلب في حق الله كاللسان في حق الخلق ورأس الأمور للمريد في سلوك طريق الآخرة قلبه والمواظبة على الصوم لا تقطع مادة الوسوسة في حق أكثر الخلق إلا أن ينضاف إليه ضعف في البدن وفساد في المزاج ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما لا يتم نسك الناسك إلا بالنكاح

وهذه محنة عامة قل من يتخلص منها

قال قتادة في معنى قوله تعالى {ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} هو الغلمة

وعن عكرمة ومجاهد أنهما قالا في معنى قوله تعالى {وخلق الإنسان ضعيفا} أنه لا يصبر عن النساء وقال فياض بن نجيح

إذا قام ذكر الرجل ذهب ثلثا عقله

وبعضهم يقول ذهب ثلث دينه

وفي نوادر التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما {ومن شر غاسق إذا وقب} قال قيام الذكر وهذه يلية غالبة إذا هاجت لا يقاومها عقل ولا دين وهي مع أنها صالحة لأن تكون باعثة على الحياتين كما سبق فهي أقوى آلة الشيطان على بني آدم وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب منكن (١)

وإنما ذلك لهيجان الشهوة وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي وشر مني (٢)

وقال أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ فرجي (٣)

فما يستعيذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجوز التساهل فيه لغيره وكان بعض الصالحين يكثر النكاح حتى لا يكاد يخلو من اثنتين وثلاث فأنكر عليه بعض الصوفية فقال هل يعرف أحد منكم أنه جلس بين يدي الله تعالى جلسة أو وقف بين يديه موقفاً في معاملة فخطر على قلبه خاطر شهوة فقالوا يصيبنا من ذلك كثير فقال لو رضيت في عمري كله بمثل حالكم في وقت واحد لما تزوجت لكني ما خطر على قلبي خاطر يشغلني عن حالي إلا نفذته فأستريح وأرجع إلى شغلي ومنذ أربعين سنة ما خطر على قلبي معصية

وأنكر بعض الناس حال الصوفية فقال له


(١) حديث ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذوي الألباب منكن أخرجه مسلم من حديث ابن عمر واتفقا عليه من حديث أبي سعيد ولم يسق مسلم لفظه
(٢) حديث اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وشر مني تقدم في الدعوات
(٣) حديث أسألك أن تطهر قلبي وتحفظ فرجي أخرجه البيهقي في الدعوات من حديث أم سلمة بإسناد فيه لين

<<  <  ج: ص:  >  >>