للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض ذوي الدين ما الذي تنكر منهم قال يأكلون كثيراً

قال وأنت أيضا لو جعت كما يجوعون لأكلت كما يأكلون قال ينكحون كثيراً

قال وأنت أيضاً لو حفظت عينيك وفرجك كما يحفظون لنكحت كما ينكحون

وكان الجنيد يقول أحتاج إلى الجماع كما أحتاج إلى القوت فالزوجة على التحقيق قوت وسبب لطهارة القلب ولذلك أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل من وقع نظره على امرأة فتاقت إليها نفسه أن يجامع أهله (١)

لأن ذلك يدفع الوسواس عن النفس

وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى إمرأة فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج

وقال صلى الله عليه وسلم إن المرأة إذا أقبلت أقبلت بصورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأةً فأعجبته فليأت أهله معها مثل الذي معها (٢)

وقال عليه السلام لا تدخلوا على المغيبات وهي التي غاب زوجها عنها فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم قلنا ومنك قال ومني ولكن الله أعانني عليه فأسلم (٣)

قال سفيان بن عيينة فأسلم معناه فأسلم أنا منه هذا معناه فإن الشيطان لا يسلم وكذلك حكى على ابن عمر رضي الله عنهما وكان من زهاد الصحابة وعلمائهم أنه كان يفطر من الصوم على الجماع قبل الأكل وربما أنه جامع ثلاثاً من جواريه في شهر رمضان قبل العشاء الأخير

وقال ابن عباس خير هذه الأمة أكثرها نساءً (٤)

ولما كانت الشهوة أغلب على مزاج العرب كان استكثار الصالحين منهم لنكاح أشد ولأجل فراغ القلب أبيح نكاح الأمة عند خوف العنت مع أن فيه إرقاق الولد وهو نوع إهلاك وهو محرم على كل من قدر على حرة ولكن إرقاق الولد أهون من إهلاك الدين وليس فيه إلا تنغيص الحياة على الولد مدة وفي اقتحام الفاحشة تفويت الحياة الأخروية التي تستحقر الأعمار الطويلة بالإضافة إلى يوم من أيامها

وروي أنه انصرف الناس ذات يوم من مجلس ابن عباس وبقي شاب لم يبرح فقال له ابن عباس هل لك من حاجة قال نعم أردت أن اسأل مسألة فاستحييت من الناس وأنا الآن أهابك وأجلك فقال ابن عباس إن العالم بمنزلة الوالد فما كنت أفضيت به إلى أبيك فأفض إلي به فقال إني شاب لا زوجة لي وربما خشيت العنت على نفسي فربما استمنيت بيدي فهل في ذلك معصية فأعرض عنه ابن عباس ثم قال أف وتف نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنا فهذا تنبيه على أن العزب المغتلم مردد بين ثلاثة شرور أدناها نكاح الأمة وفيه إرقاق الولد وأشد منه الاستمناء باليد وأفحشه الزنا ولم يطلق ابن عباس الإباحة في شيء منه لأنهما محذوران يفزع إليهما حذراً من الوقوع في محذور أشد منه كما يفزع إلى تناول الميتة حذراً من هلاك النفس فليس ترجيح أهون الشرين في معنى الإباحة المطلقة ولا في معنى الخير المطلق وليس قطع اليد المتآكلة من الخيرات وإن كان يؤذن فيه عند إشراف النفس على الهلاك فإذاً في النكاح فضل من هذا الوجه ولكن هذا لا يعم الكل بل الأكثر فرب شخص فترت شهوته لكبر سن أو مرض أو غيره فينعدم هذا الباعث في حقه ويبقى ما سبق من أمر الولد

فإن ذلك عام إلا للممسوح


(١) حديث أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل من وقع بصره على امرأة فتاقت نفسه إليها أن يجامع أهله أخرجه أحمد من حديث أبي كبشة الأنماري حين مرت به امرأة فوقع في قلبه شهوة النساء فدخل فأتى بعض أزواجه وقال فكذلك فافعلوا فإنه من أماثل أفعالكم إتيان الحلال وإسناده جيد
(٢) حديث جابر رأى إمرأة فدخل على زينب فقضى حاجته الحديث رواه مسلم والترمذي واللفظ له وقال حسن صحيح
(٣) حديث لا تدخلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم الحديث أخرجه الترمذي من حديث جابر وقال غريب ولمسلم من حديث عبد الله بن عمر ولا يدخل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان
(٤) حديث ابن عباس خير هذه الأمة أكثرها نساء يعني النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري

<<  <  ج: ص:  >  >>