للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهار وآخره للآخرة والوسط للتجارة ولم يكن يبيع الهريسة والرءوس بكرة إلا الصبيان وأهل الذمة لأنهم كانوا في المساجد بعد

وفي الخبر إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفيها في أول النهار وفي آخره ذكر الله وخير كفر الله عنهما ما بينهما من سيئ الأعمال (١)

وفي الخبر تلتقي ملائكة الليل والنهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول الله تعالى وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهو يصلون وجئناهم وهم يصلون فيقول الله سبحانه وتعالى أشهدكم أني قد غفرت لهم (٢)

ثم مهما سمع الأذان في وسط النهار للأولى والعصر فينبغي أن لا يعرج على شغل وينزعج عن مكانه ويدع كل ما كان فيه فما يفوته من فضيلة التكبيرة الأولى مع الإمام في أول الوقت لا توازيها الدنيا بما فيها ومهما لم يحضر الجماعة عصى عند بعض العلماء

وقد كان السلف يبتدرون عند الأذان ويخلون الأسواق للصبيان وأهل الذمة وكانوا يستأجرون بالقراريط لحفظ الحوانيت في أوقات الصلوات وكان ذلك معيشةً لهم

وقد جاء في تفسير قوله تعالى {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله} أنهم كانوا حدادين وخرازين فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفى فسمع الأذان لم يخرج الإشفى من المغرز ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى الصلاة

الرَّابِعُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا بَلْ يُلَازِمَ ذِكْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي السُّوقِ وَيَشْتَغِلَ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ فَذِكْرُ اللَّهِ فِي السُّوقِ بَيْنَ الغافلين أفضل

قال صلى الله عليه وسلم ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل خلف الفارين وكالحي بين الأموات وفي لفظ آخر كالشجرة الخضراء بين الهشيم وقال صلى الله عليه وسلم من دخل السوق فقال لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة (٣)

وكان ابن عمر وسالم بن عبد الله ومحمد بن واسع وغيرهم يدخلون السوق قاصدين لنيل فضيلة هذا الذكر

وقال الحسن ذاكر الله في السوق يجيء يوم القيامة له ضوء كضوء القمر وبرهان كبرهان الشمس ومن استغفر الله في السوق غفر الله له بعدد أهلها

وكان عمر رضي الله عنه إذا دخل السوق قال اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفسوق ومن شر ما أحاطت به السوق اللهم إني أعوذ بك من يمين فاجرة وصفقة خاسرة

وقال أبو جعفر الفرغاني كنا يوماً عند الجنيد فجرى ذكر ناس يجلسون في المساجد ويتشبهون بالصوفية ويقصرون عما يجب عليهم من حق الجلوس ويعيبون من يدخل السوق فقال الجنيد كم ممن هو في السوق حكمه أن يدخل المسجد ويأخذ بإذن بعض من فيه فيخرجه ويجلس مكانه وإني لأعرف رجلا يدخل السوق ورده كل يوم ثلثمائة ركعة وثلاثون ألف تسبيحة

قال فسبق إلى وهمي أنه يعني نفسه فهكذا كانت تجارة من يتجر لطلب الكفاية لا للتنعم في الدنيا فإن من يطلب الدنيا للاستعانة بها على الآخرة كيف يدع ربح الآخرة والسوق والمسجد والبيت له حكم واحد وإنما النجاة بالتقوى

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كنت (٤)

فوظيفة التقوى لا تنقطع عن المتجردين للدين كيفما تقلبت بهم الأحوال وبه تكون حياتهم وعيشتهم إذ فيه يرون تجارتهم وربحهم وقد قيل من أحب الآخرة عاش ومن أحب الدنيا طاش والأحمق يغدو ويروح في لاش والعاقل عن عيوب نفسه فتاش


(١) حديث إن الملائكة إذا صعدت بصحيفة العبد وفي أول النهار وآخره ذكر وخير كفر الله ما بينهما من سيئ الأعمال أخرجه أبو يعلى من حديث أنس بسند ضعيف بمعناه
(٢) حديث تلتقي ملائكة الليل وملائكة النهار عند طلوع الفجر وعند صلاة العصر فيقول الله وهو أعلم كيف تركتم عباديالحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الغداة وصلاة العصرالحديث
(٣) حديث من دخل السوق فقال لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهالحديث تقدم في الأذكار
(٤) حديث اتق الله حيثما كنت أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر وصححه

<<  <  ج: ص:  >  >>